فصل: كتاب التفليس وديون الميت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الباب الرابع في النزاع

إذا قال المأمور ببيع الرهن من قبل السلطان‏:‏ سلمت الثمن للمرتهن، وجحد المرتهن ضمن المأمور؛ لأن الأصل عدم القبض‏.‏ ولو قال المأمور‏:‏ بعت بمائة، وسلمتها له، وقال المرتهن‏:‏ باع بخمسين، وقبضتها ضمن المأمور خمسين بإقراره كمأمور يدفع مائة فيقول لم أقبض إلا خمسين ضمن الخمسين‏.‏ قال التونسي‏:‏ إذا غرم المأمور خمسين لا يكون المرتهن أحق بها؛ لأنها ليست رهناً، ولو قال‏:‏ لا أدري بكم باع إلا أنه لم يقبض إلا خمسين، وحلف، وأغرم العدل الخمسين الأخرى لكان أحق بها من الغرماء‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ ولو كان المرتهن هو الآمر بالبيع لصدق المأمور مع يمينه في دفعه للمرتهن؛ لأن الوكيل على البيع مصدق في دفع الثمن للآمر، وقال أشهب‏:‏ لا يضمن المأمور الخمسين الباقية للمرتهن لاعترافه أنه باع بخمسين، بل الراهن‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إنما يصدق العدل إذا لم يأت بما لا يشبه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ‏[‏إن‏]‏ قال الراهن‏:‏ لم يحل الأجل صدق؛ لأن الأصل عدم حلوله إذا أتى بما يشبه، وإلا فلا‏.‏ وإذا قال المبتاع بعد فوت السلعة عنده الثمن مؤجل، وقال البائع حال صدق المبتاع في الأجل القريب دون البعيد‏.‏ قاله مالك‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ لا يصدق في الأجل، ويؤخذ بما أقر به حالاً؛ لأن الأصل عدم التأجيل إلا أن يقر بأكثر مما ادعاه البائع، فلا يكون للبائع إلا ما ادعى‏.‏ قال التونسي‏:‏ اختلافهم بعد فوات المبيع كاختلافهم في قلة الثمن يصدق المطلوب‏.‏ وكذلك ينبغي إذا ادعى البائع الحلول أن يصدق المشتري بعد الفوت، وإن رأي ابن القاسم أن الحلول هو الغالب في البياعات ففيه نظر، بل إن كان للسلعة عادة اتبعت ولا يمكن الاختلاف حينئذ‏.‏ قال ابن يونس قال أشهب‏:‏ يصدق المرتهن في حلول الأجل كما إذا قال حالا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ دينك مائتان رهنك بإحداهما وقضى إحداهما وقال هي التي بالرهن وقلت الأخرى قسمت بين المائتين، قام الغرماء أم لا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يريد بعد التحالف إذا ادعى البيان‏.‏ وقال أشهب‏:‏ يصدق المقتضي لأنه مدعى عليه، وقيل إن كانتا مؤجلتين صدق الدافع لأنه يقول إنما قصدت تعجيل المائة لأخذ الرهن، بخلاف الحمالة تقسم على الحقين حالين أو مؤجلين لأنه ليس نسبة المقتضي إلى أحدهما أولى من الآخر‏.‏ وفي الموازية‏:‏ إنما تصح القسمة بين الحقين إذا لم يحلا أو حلا، وإلا صدق معين الحال مع يمينه، كان المرتهن أو الراهن‏.‏ فإن ادعى كل واحد البيان قسم بعد أيمانهما أو نكولهما، وإلا قدم الحالف‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏ يصدق الراهن مع يمينه لأنه أخبر بنيته‏.‏

قاعدة‏:‏ المدعي من كان قوله على خلاف عرف أو أَصل كان طالبا أو مطلوبا، فالطالب من زيد دينا مدع لأن الأصل براءة ذمته، والمطلوب برد الوديعة وقد قبضها ببينة وهو يقول رددتها بغير بينة مدع وإن كان مطلوبا لأن ‏"‏العرف‏"‏ يقتضي أن من قبض ببينة لا يرد إلا ببينة‏.‏ والمطالب بتركة الأيتام من الأوصياء وهو يدعي إنفاقها عليهم في مدة لم تشهد العادة بمثلها مدع لأنه على خلاف العرف‏.‏ والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل أو عرف، وهو مقابل من تقدم في المثل السابقة‏.‏ وهذه القاعدة أصلها قوله عليه لسلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فهذا ضابط قوله عليه السلام من ادعى من هو، وعلى هذه القاعدة تخرج مسائل هذا الباب‏.‏ ومن الفقهاء من يقول المدعى عليه هو أقرب المتداعيين سببا، والمدعي أبعدهما، وهو معنى ما تقدم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اختلفا في مبلغ الدين فالرهن شاهد للمرتهن خلافا للأيمة‏.‏

لنا أن الله جعله بدلا من الشاهد بقوله ‏(‏ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة‏)‏ والكاتب الشاهد عن أيمة التفسير، وبدل الشيء يقوم مقامه، فيقوم الرهن مقام الشاهد فيشهد وهو المطلوب‏.‏

احتجوا‏:‏ بأن الأصل براءة ذمة الراهن‏.‏

جوابه‏:‏ أن هذا الأصل معارض بطاهر حال الراهن من وجهين، أحدهما من جهة البدلية كما تقدم، والثاني من جهة الغالب في الناس أنهم لا يتوثقون إلا بما يساوي الحق‏.‏

قاعدة‏:‏ البدل في الشريعة خمسة أقسام‏:‏ يبدل الفعل من الفعل في محله وذاته كمسح الجبيرة مع الغسل‏.‏ ومن خصائص هذا القسم المساواة في المحل؛ وبدل الفعل من الفعل في المشروعية كبدل الجمعة من الظهر، ومن خصائص هذا القسم أن البدل أفضل ولا يعدل إلى المبدل إلا بعد تعذر البدل، بخلاف جميع الأقسام في هاتين الخاصيتين؛ وبدل في بعض الأحكام كالتيمم مع الوضوء يباح به بعض ما يباح بالوضوء، وترتفع الجناية بالماء دون التيمم، وإنما تباح به صلاة وتباح بالوضوء صلوات؛ وبدل في كل الأحكام كخصال الكفارة فإن جميع ما يترتب على هذه الخصلة يترتب على الأخرى باعتبار السبب الموجب؛ وبدل في بعض الأحوال كالعزم بدل من تعجيل الصلاة، وحالات الصلاة التعجيل والتأخير والتوسط‏.‏ فظهر أن البدل لا يلزم أن يقوم مقام المبدل مطلقا، بل في الوجه الذي جعل بدلا فيه، فحينئذ لا يتم قول الأصحاب إن الرهن إذا جعل بدل الشاهد يقوم مقامه في الشهادة، بل إنما يلزم ذلك إذا كان البدل يقوم مقام المبدل مطلقا حتى يندرج هذا الوجه في العموم‏.‏ فللخصم أن يقوم مقامه في بعض أحكامه، وهو التوثق، ولم تتعين الشهادة؛ لأن البدل أعم كما تقدم‏.‏ ولا يتم أيضاً قول الفقهاء البدل يقوم مقام المبدل مطلقاً لما قد تقرر، بل في الوجه الذي جعل بدلاً فيه‏.‏ فهذه القاعدة لا بد من تحقيقها في المقام فعليها مدار بحثها مع الفرق، وهي عشرة‏.‏

تفريع‏.‏ في الكتاب‏:‏ إن كانت قيمته يوم الحكم لا يوم الرهن مثل دعوى المرتهن، فأكثر صدق مع يمينه‏.‏ وإن تصادقا أن قيمته يوم التراهن أقل من ذلك، فزاد سوقه لم ينظر إلى قيمته الآن؛ لأن الشاهد إنما يعتبر وجوده وقت الشهادة، ويصدق الراهن فيما زاد على قيمته الآن مع يمينه على دعواه، ويبرأ من الزيادة، وإن قلت رهنت في مائة دينار، وقال‏:‏ هي لك علي، وإنما رهنت في خمسين صدقت في قيمة الرهن، فإن كانت خمسين له تعجيلها، وأخذ رهنه؛ لأن الأصل عدم ارتهان في الزائد، فإن ضاع عندك، واختلفتما في قيمته تواصفتماه، وتصدق في الصفة مع يمينك؛ لأنك غارم ثم تقوم تلك الصفة، فإن اختلفتما صدقت في مبلغ قيمة تلك الصفة‏.‏

في التنبيهات‏:‏ يريد بتصديقك في الصفة إذا ادعيت ضياعه ثم يختلف في قيامه، ينظر للقيمة يوم الحكم عند ابن القاسم، وفي ضياعه يوم القبض، وقال غيره‏:‏ إنما ينظر في الحالين يوم القبض؛ لأنه يوم الرضى بالتوثق، وقد تختلف الأسواق بعد هذا، وفي الموازية‏:‏ متى ثبت هلاكه ببينة، وهو مما لا يضمن لا يشهد لك، ولا يلزم الراهن إلا ما أقر به؛ لأنه لا يشهد إلا عند قيامه، وظاهر قوله في الموازية وغيرها أنه إنما يشهد على نفسه لا على الذمة، وأن حقه إنما يكون في عين الرهن، وهو خلاف قول عبد الوهاب، وتأويل بعضهم على الكتاب أنه شاهد على الذمة يشهد في قيامه، وتلفه كإقراره‏.‏ واختلفت هل يلزم الراهن حلف أم لا‏؟‏ والحلف أصح، ولم يختلف في أيمانهما معاً إذا كانت قيمته دون ما ادعاه، وفوق ما أقر به الراهن، وسكت في الكتاب عن يمين المرتهن، وبينه مالك في الموطأ، فقال‏:‏ يحلف المرتهن على ما ادعى من دين، ويخير الراهن بين إعطاء ذلك وأخذ رهنه، أو يحلف وتبطل عنه الزيادة، فإن نكل لزمه قول المرتهن‏.‏ وقال محمد‏:‏ يخير المرتهن بين حلفه على دعواه، وعلى قيمة الرهن، وقيل إنما يحلف المرتهن على الرهن إذا شهدت له على غيره‏:‏ كما لو ادعى عشرين، وشهد له شاهد بخمسة عشر، فإنه يحلف مع شاهده‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ وفساد هذا القول أنه لو حلف على عشرين، فوجب له أخذ خمسة عشر، ويجبره المطلوب على الخمسة الزائدة، فنكل المطلوب أليس ترد اليمين على الراهن فيصير يحلف مرتين على دعوى واحدة، وهو غير مستقيم‏.‏ وقيل يحلف على جميع دعواه، وإن كانت قيمة الرهن أقل، وإنما يصدق المرتهن في قيمة الرهن يوم الحكم لا يوم الرهن؛ لأن الرهن بيد المرتهن كالشاهد، وإنما قام بشهادته عند الحكم، فوجب النظر إليها يوم الحاجة، فأما إذا ضاع فيوم القبض؛ لأنه كشاهد شهد ثم ذهب فينظر إلى شهادته حين أدائها‏.‏

قال التونسي‏:‏ إنما يكون شاهدا إذا لم يفت، فإن فات وهو لا ضمان فيه على المرتهن لم يشهد؛ لأنه إنما يشهد على نفسه لا على ذمة الراهن‏.‏ واختلف إذا كان على يدي عدل هل يكون شاهداً أم لا، ففي الموازية‏:‏ شهد على يدي المرتهن، أو غيره، ولو اختلفا في جنس الدين لشهد بما يبلغ قيمته كقوله‏:‏ هو عندي بمائة دينار، ويقول الراهن في مائة إردب قمحاً قرضاً، وكانت أقل صدق المرتهن مع يمينه‏.‏ فلو قال الراهن في مائة، وقلت في مائة وخمسين، والقيمة مائة حلف، وقيل للراهن ادفع مائة وخمسين، وخذ رهنك، أو احلف، وابرأ‏.‏

وإن كان الدين مائة وعشرين بيدي المرتهن، فحلف على مائة وخمسين، وإن شاء حلف على مائة وعشرين، وانفك ما زاد على القيمة‏.‏ ولا سبيل للراهن على الرهن حتى يحلف على المائة والخمسين، فإن حلفا جميعاً لم يكن الرهن إلا في قيمته لتساويهما، وكذلك إن نكلا جميعاً لعدم المرجح لما زاد على القيمة‏.‏

وفي الموازية‏:‏ له دين بكتاب لم يذكر فيه الرهن، فقال‏:‏ له عندي هذا الرهن بمائة أخرى غير المكتوبة، وقال الراهن‏:‏ بل بها، فعن ابن القاسم يصدق الراهن؛ لأنه لو قال‏:‏ هو وديعة صدق، وفيه خلاف عن ابن القاسم، وقد قال‏:‏ إذا وجد الرهن في التركة، وقال الوارث‏:‏ لا علم لي في كم رهن، وهو يسوي خمسة، وقال الراهن في دينار يصدق الراهن، ولا يكون إقراره بالرهينة دليلاً على أنه في قيمته‏.‏ وإذا رهنته بحضرة بينة ثم قال‏:‏ المرتهن جاءني الراهن بعد ذلك، وأخذ مني غير الذي‏.‏

أعطيته بحضرة البينة والرهن يسوي ما قال لم يصدق ولا يشهد الرهن له‏.‏ وإذا هلك الرهن بينة لم يشهد قيمته؛ لأنه إنما يشهد على نفسه‏.‏ وإذا دعيت رد الرهن لم تصدق، أخذته ببينة أم لا‏.‏ وإذا دفعت الرهن وقمت بالدين فقال الراهن‏:‏ دفعت إليه الدين‏.‏ صدق الراهن مع يمينه، وقيل‏:‏ إن قام بالقرب صدق وإلا فلا، قال‏:‏ والأصوب تصديقه مطلقا؛ لأن الظاهر من رد الوثيقة أخذ الدين‏.‏ وعلى القول الثاني لو اختلفا في طول المدة صدق المرتهن مع يمينه؛ لأن قيامه عليه كحلول الأجل، قاله سحنون‏.‏

ولو قلت‏:‏ رهنني بعشرة‏.‏ وقال‏:‏ بل بعته منك بعشرة، قال أصبغ‏:‏ صدق المرتهن إن أراد صاحبه بقوله‏:‏ قبضت العشرة ثمن الثوب، وقال الذي هو بيده‏:‏ بل هو رهن عندي في العشرة التي دفعت إليك؛ لأن الأصل عدم الشراء، ولم يصدق الراهن أن الذي أخذ ثمن‏.‏ فإن قال البائع‏:‏ لم أنتقد، وقال الآخر‏:‏ دفعت إليك السلف فلا يصدق أحدهما، وترد السلعة لصاحبها؛ لأن أحدهما يدعي سلفا، والآخر يدعي شغل ذمة، والأصل عدمها فيحلف ويبرأ‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ إذا قال رب الثوب‏:‏ رهنته بخمسة‏.‏ وقال الذي هو في يديه‏:‏ رهن عندي بعشرة صدق مدعي الرهن مع يمينه‏.‏ وإن اختلفا هل هو رهن أو وديعة صدق ربه؛ لأن الأصل براءة ذمته تولم يقر بدخوله في الضمان‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ لو شرطت وضعه على يد أمين فادعى المرتهن ضياعه، وصدقة الأمين وأنكرت وضعه على يد الأمين، فإن كان الموضوع على يده عدلا فلا ضمان‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ يضمن حتى تشهد البينة أنه دفعه للأمين، والرهن يكون بما فيه إذا ضاع ولم يعرف له قيمة ولا صفة؛ لأن الأصل عدم الغرم من الجهتين‏.‏ وروى أشهب‏:‏ يجعل من أدنى الرهون‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ إنما اعتبرت القيمة يوم الحكم؛ لأنه يومئذ يستوجب بيعه للوفية، وقال عبد الوهاب‏:‏ لأن العادة جارية بمساواة الرهن الدين أو مقاربته يوم يقضى له ببيعه‏.‏ وإذا كانت القيمة مثل دعوى المرتهن فأكثر حلف وحده، أو

مثل دعوى الراهن حلف وحده؛ لأن يمين المرتهن لا ينفعه، أو أكثر من قول الراهن وأقل من الآخر فههنا يتحالفان، ويبدأ المرتهن لرجحانه بالشهادة‏.‏ قال محمد‏:‏ ويقبل قول المرتهن في الصفة بعد الضياع وإن كانت يسيرة، وعند أشهب‏:‏ إلا أن يتبين كذبه لقلتها جدا‏.‏ ولو كان الدين ألفا فجاء به فأخرج المرتهن رهنا يساوي مائة فقال‏:‏ الراهن رهني‏.‏ ألفا صدق مع يمينه؛ لأنه الأشبه، فإذا حلف سقط عنه من الدين قيمة الرهن، قاله أصبغ‏.‏ وقال أشهب، وابن القاسم‏:‏ بل المرتهن، وإن لم يسو إلا درهما كما لو قال‏:‏ لم يرهني شيئا‏.‏

قال اللخمي قال مالك‏:‏ إذا هلك وتصادقا على الدين وهو عشرة وقال الراهن‏:‏ القيمة عشرة، وقال المرتهن‏:‏ خمسة‏.‏ صدق المرتهن، وهذا يؤيد أن الرهن في أقل من الذين أو أكثر‏.‏ وإنما كان قول المرتهن لموضع الحوز، وقال ابن حبيب‏:‏ ذلك إلا أن يأتي بما لا يشبه، وقال أصبغ‏:‏ يصدق الراهن بناء على أن الرهن شهد على الذمة‏.‏ فإن اختلفا في القضاء صدق المرتهن إذا لم يسلم الرهن، ويصدق الراهن إن طال، واختلفت إذا قرب‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ لا يشهد الرهن إلا على نفسه لا على ذمة الراهن‏.‏ ولا يشهد ما هلك في ضمان الراهن، وما تلف بيد المرتهن وضمنه شهدت قيمته‏.‏ وما قامت بينة بهلاكه مما يغاب عليه لا يشهد على القول بسقوط الضمان؛ لأنه لا يشهد على ذمة الراهن، والذي على يد أمين يشهد عند محمد كما لو كان على يده؛ لأنه وكيله، وخالف أصبغ لأنه غير مرتهن عليه، وتعتبر القيمة يوم الحكم إن كان باقيا وإلا فيوم القبض، قاله ابن القاسم، وعنه يوم الضياع؛ لأنه يوم الضمان، وعنه يوم الرهان؛ لأنه يوم وضع اليد‏.‏ قال صاحب الاستذكار‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا اتفقا على الحق واختلفا في قيمة الرهن الهالك حلف المرتهن على صفته التي وصفها فتقوم، فإن زادت القيمة على الدين رد الفضل، أو نقصت أخذ الفضل، أو ساوت تقاصا‏.‏ قال‏:‏ وهذا على أصله في ضمان ما يغاب عليه‏.‏ ويرجع عند ‏(‏ش‏)‏ بجميع حقه مطلقا لعدم الضمان، وعند ‏(‏ح‏)‏ يضمن بما فيه فلا تراد ولا تحالف‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المنتقى‏:‏ إذا قلت‏:‏ الدين ثمانية أرادب، وقال المرتهن‏:‏ مائة دينار‏.‏ قال أصبغ‏:‏ إن كان ما أقررت به أكثر من الدنانير صدقت، أو أقل صدق كما يصدق في كثرة النوع‏.‏

فرع‏:‏

قال الأبهري‏:‏ إذا تنازعا تلف ما يغاب عليه، فقال المرتهن‏:‏ أنت خبيته، صدق المرتهن، وحلف إن اتهم كالوديعة، ولأن الأصل عدم العدوان، وقيل‏:‏ يحلف مطلقا‏.‏ والفرق أن المرتهن قبض لحق نفسه‏.‏ وفي العتبية‏:‏ لا يحلف لأنه يغرم إلا أن يقول‏:‏ أخبرني مخبر صادق أنه عندك‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا تنازعتما في رد الرهن لم تصدق إلا ببينة‏.‏ والفرق بينه وبين الوديعة أن المودع أمين مطلقا، والمرتهن قبض لحق نفسه‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا ادعى المرتهن‏:‏ أنه ضاع عند الأمين، ولا بينة له على أنه وضعه عند الأمين إلا بتصديق الأمين، إن كان الأمين عدلا فلا ضمان على المرتهن؛ لأنه لما رهن بشرط وضعه على يد عدل صار المرتهن كالرسول أو كالمودع يؤمر بإيداع الوديعة عند غيره، فيدعي أنه فعل وضاعت هنالك‏.‏ وعنه لا يبرأ في الرهن إلا ببينة على الدفع للأمين‏.‏ والفرق شائبة الضمان والتهمة، فإن دفعه لغير عدل ضمن؛ لأنه إنما أذن له في العدل‏.‏ فإن شهدت البينة، وادعى عدم العلم بعدم عدالته صدق إلا في المشهور بالفسق، وقاله ابن القاسم في الوديعة إذا أذن له في إيداعها فضاعت‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ضاع أحد الثوبين صدق المرتهن مع يمنيه في قيمته، وسقط من الدين قيمة الثوب‏.‏ وإذا قلت‏:‏ هما رهن بألف و‏"‏ قال ‏"‏ الآخر‏:‏ وديعة أو عارية صدق؛ لأن الأصل عدم رهنه، ولو كانا نمطا وجبة فهلك النمط فقلت‏:‏ هو وديعة، والجبة رهن وعكس الراهن، فلا يصدق في تضمينه، ولا أنت في الرهينة ويأخذ الجبة ربها‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ يريد ويحلفان‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن رهنه بغير بينة فادعى رده، وأخذ دينه، حلف الراهن وضمنه؛ لأن الأصل عدم الرد‏.‏

قال المخزومي‏:‏ إن أعرته ليرهن نفسه لم يكن رهنا إلا بما أذنت له، والمستعير مدع لأنك فعلت معروفا، ولا تكون تشهد للمرتهن؛ لأنك استحققته وبقي الدين كدين لا رهن فيه، فيصدق الراهن إلا في أقل مما ادعيته فيصدق المرتهن حينئذ؛ لأنه رهن له ويباع له إن أعدم الراهن‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا أرسلته ليرهن ثوبا في خمسة، وقلت‏:‏ وصلت إليك، وقال الرسول‏:‏ بل في خمسة عشر، وقال المرتهن‏:‏ في عشرين وقيمة الثوب عشرة، يحلف المرتهن ثم أنت، وتغرم عشرة قيمة الثوب إن أحببت أخذه، ثم يحلف الرسول يمينا لك‏:‏ لقد وصل إليك عشرة، ويمينا للمرتهن‏:‏ ما رهنته إلا في خمسة عشر، ويغرم لك خمسة‏.‏

ولو قامت لك بينة، وصدقك الرسول، أعطيت خمسة وأخذت رهنك، وحلف الرسول للمرتهن، وبرئ ولم يطالبه المرتهن بشيء‏.‏

وإن لم تكن بينة وقال المرتهن‏:‏ بعشرة صدق إلى قيمة الرهن مع يمينه، ثم تفتك أنت رهنك بقيمته أو تتركه بما فيه‏.‏

وإن ادعى المرتهن أكثر من قيمة الرهن حلف الرسول ما أرسله إلا بخمسة، وبرئ ولم ‏"‏يطالبه‏"‏ الآمر ولا المرتهن بشيء، ولا يرجع المرتهن على الرسول بخمسة إذا كان الرهن يساوي عشرة، إذا أقام الراهن بينة وأخذ رهنه؛ لأن الرهن الذي كان يصدقه انتزع بالبينة، فلا حجة له بقيمته‏.‏

قال صاحب البيان قال مالك‏:‏ إذا أمرته أن يرهن لك ثوبا في خمسة فزاد لنفسه خمسة، وقلت‏:‏ لم آمره‏.‏ أخذت العشرة منك إن كانت قيمة الثوب، أقر الرسول برهنه بالزيادة أم لا؛ لأن الرهن شاهد للمرتهن بقيمته فيصدق مع يمينه، وترجع أنت على الرسول بالزيادة إن اعترف بها‏.‏ فإن ادعى أنه رهن بالعشرة ودفعها إليك فأربعة أقوال‏:‏ يصدق مع يمينه لأنه أمين، ولا يصدق مطلقا لأنك لم تأتمنه على الزيادة، ويصدق في القرب مع يمينه، وفي البعد بغير يمينه؛ لأن ادعاءك بعد البعد يوهنك، ولا يصدق في القرب ويصدق في البعد مع يمينه‏.‏

وإن قال‏:‏ إنما رهنته بخمسة حلف وبرئ، وإن أقر أنه استزادها لنفسه ورضي المرتهن باتباعه سقطت عنه اليمين‏.‏ وإذا كانت لك بينة أنك أمرته بخمسة فقط دفعتها وأخذت رهنك، وحلف هو للمرتهن ما رهنت إلا بخمسة؛ لأنك بأخذك لرهنك لم يبق للمرتهن شاهد‏.‏ وإن ادعى أكثر من قيمة الرهن حلف الرسول ما رهنه إلا بخمسة ولا يتبعه واحد منكما، ويحلف المرتهن ويستحق قيمة الرهن، وتبدأ أنت بيمين الرسول؛ لأنه بمنزلتك، فلو نكل غرم تمام العشرة لتفريطه بعدم الإشهاد‏.‏ فإن قال‏:‏ ما أمرته إلا بخمسة ورهنته بغيره ولك بينة أخذت رهنك واتبع الرسول، وإن لم تكن لك بينة‏.‏ قال سحنون‏:‏ تحلف ما أمرت إلا بخمسة وتغرم قيمة الرهن إن نقصت عن العشرة واتبع الرسول المرتهن بما نقص عن العشرة، واتبعته بما غرمت فوق الخمسة‏.‏ فإن قال‏:‏ أمرتني بعشرة، وقلت‏:‏ بخمسة صدق مع يمينه لأنه أمين، ولك فداء رهنك ولا تتبعه‏.‏ ولو ادعى المرتهن عشرين وقلت‏:‏ خمسة، وقال الرسول‏:‏ خمسة عشر، والقيمة عشرة حلف المرتهن ثم حلفت، فإن أردت ثوبك دفعت عشرة، ثم يحلف الرسول يمينين، ويغرم الخمسة الزائدة على قيمة الثوب لإقراره بقبض خمسة عشر، ويحلف لقد أوصل إليك عشرين، وللمرتهن ما قبضت إلا خمسة عشر‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب إذا أقر أن الرهن لغيره لم يسمع؛ لأنه إقرار على الغير‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يصدق المرتهن في دعوى الإباق إلا أن يأتي بمنكر؛ لأنه أمين مطلقا في الحيوان‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا اعترف الراهن بالجناية وهو معدم لا يصدق، أو ملئ خير في فدائه وإسلامه، فإن فداه بقي رهنا، أو أسلمه لم يكن له ذلك حتى يحل الأجل فيدفع الدين، فإن فلس قبل ذلك فالمرتهن أحق به من المجني عليه؛ لأن إقرار الراهن لا يسمع عليه‏.‏

قاعدة‏:‏ الإقرار قسمان‏:‏ بسيط ومركب، فالبسيط‏:‏ ما أضر بالمقر فقط، نحو‏:‏ له عندي دينار يسمع إجماعا من البر والفاجر؛ لأنه على خلاف الوازع الطبعي، فاكتفى صاحب الشرع بالطبع عن وازع الشرع‏.‏ والمركب‏:‏ ما فيه إضرار به وبغيره، نحو‏:‏ عندي وعند زيد دينار، يسمع في حقه فقط‏.‏ أما إن أضر بالغير فقط فهو يسمى دعوى بالإقرار فلا بد فيها من حجة شرعية إن كانت تنفع القائل، وإن كانت لنفع الغير فهي المسمى بالشهادة، إن عضدتها العدالة قبلت وإلا فلا‏.‏ فبهذا التقرير يظهر الفرق بين الشهادة والدعوى والإقرار، ويظهر فقه هذه الفروع‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ قال الذي على يده الرهن بعته بمائة ودفعته للمرتهن، وقال المرتهن‏:‏ بل بخمسين وهي التي دفعتها إلي، صدق المرتهن مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء دينه، ويغرم العدل الخمسين لإقراره، ثم ينظر إن قال المرتهن‏:‏ لا أدري ما بعت به إلا من قولك أخذ الخمسين الأخرى إن اغترقها دينه؛ لأنها ثمن الرهن،

وإن ادعى العلم بخمسين، قال أشهب‏:‏ لا يضمن الخمسين للمرتهن بل للراهن لتصديقه إياه، وتردد اللخمي في أخذه إياها مواخذة بظاهر العدل‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات‏:‏ لو وجد الرهن بيده بعد التفليس، وادعى قبضه قبل التفليس، وجحده الغرماء لجري القولان اللذان في الصدقة توجد بيد المتصدق عليه بعد موت المتصدق، فيدعي قبضها في صحته‏.‏

وفي المدونة دليل على القولين، ولو لم يتعلق به للغرماء حق لصدق، وشهد له بقيمته على الراهن لعدم المزاحم‏.‏

فرع‏:‏

في البيان‏:‏ إذا انهدمت دار فتقوم عليها فلك الأجرة إن كان مثلك يعمل ذلك بأجرة بعد أن تحلف ما تبرعت‏.‏

فرع‏:‏

قال قال ابن القاسم‏:‏ إذا ادعى رجل بعد حوزك مدة أنه ارتهن قبلك وحازه، وقامت البينة على الرهن والحيازة، وأنه لم يعلم برهنك، يبدأ الأول ولك ما بقي دون الغرماء، قال‏:‏ لأن الرهن بعد حوزه لا يبطل برجوعه للراهن إلا أن يعلم المرتهن فيسكت، فلو علم الأول بطل حقه‏.‏

فرع‏:‏

قال قال ابن القاسم‏:‏ رهنت سوار امرأتك بغير أمرها، فعلمتْ أو أعلمتها، إن طلبت بالقرب، وحلفت ما دفعته لك فذلك لها، وإلا فلا لرضاها بالرهن، وعنه لها ذلك بعد الطول، وتحلف ما رضيت، لأن الأصل عدم الرضا‏.‏

وهذا إذا لم تحضر الارتهان وإلا فإن بادرت فلها، وإن سكتت وأنكرت قبل انقضاء المجلس فعلى الخلاف في السكوت‏:‏ هل هو كالإقرار أم لا‏؟‏ وإن انفصلا عن المجلس لزمها اتفاقا‏.‏

كتاب التفليس وديون الميت

وفيه نظران‏:‏

النظر الأول في التفليس

وهو مشتق من الفلوس التي هي أحط النقود، كأن الإنسان لم يترك له شيئا يتصرف فيه إلا التافه من ماله، والمديان من الدين أي الطاعة، دان له إذا طاع، وفي الحديث‏:‏ الكيس من دان نفسه‏.‏ أي‏:‏ أذلها، والدين مذلة، والدين ما له أجل، والقرض‏:‏ ما لا أجل له، ثم استعمل في الجميع قاله صاحب التنبيهات‏.‏ ويتمهد هذا النظر بتلخيص السبب وأحكامه‏.‏

القسم الأول‏:‏ السبب‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ هو التماس الغرماء أو بعضهم الحجر في الديون الحالة الزائدة على قدر مال المديان، وأصله ما في مسلم‏:‏ أصيب رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه‏.‏ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ خذوا ما وجدتم فليس لكم إلا ذلك، ولم يزد - صلى الله عليه وسلم - على خلع ماله لهم، ولم يحبسه ولم يبعه، ولم يستسعه خلافا لابن حنبل في استسعائه؛ ولقوله تعالى‏:‏ ‏"‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏"‏ وقال شريح‏:‏ يحبس، والآية إنما وردت عنده في الربا، لو كان كذلك لقال تعالى‏:‏ ذا عسرة - بالنصب - حتى يعود الضمير على المرابي، وما قرئ إلا بالرفع، أي‏:‏ إن وجد ذو

عسرة، وإنما قطع الكلام عما قبله حتى لا يختص الكلام بأحد‏.‏ وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -‏:‏ أن رجلا من جهينة كان يشتري الرواحل فيغلي بها، ثم يسرع السير فيسبق الحاج، فأفلس فقام عمر فقال‏:‏ أما بعد، فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال‏:‏ سبق الحاج، وإنه أدان معرضا فأصبح وقد رين به، فمن كان له عليه دين فليأتنا حتى نقسم ما له بين غرمائه بالغد، وإياكم والدين، فإن أوله هم، وآخره حرب‏.‏

فوائد عشر‏:‏ الأولى‏:‏ أن الأسيفع من السفع الذي هو التغير، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏"‏لنسفعا بالناصية‏"‏ أي‏:‏ لنغيرنها بالنار، فإما أن يكون متغير اللون، أو سمي بذلك لتغير حاله بالدين مجاز تشبيه‏.‏

الثانية‏:‏ قوله‏:‏ رضي من دينه وأمانته إشارة إلى ما كان يعتمده من الرياء وتضييع ماله عليه فيفسد دينه وأمانته بتضييع أموال الناس‏.‏

الثالثة‏:‏ قوله‏:‏ أدان معرضا أي أخذ الدين غير عازم على الوفاء معرضا عنه، فلذلك كان لا يبالي في مغالاة الرواحل‏.‏

الرابعة‏:‏ قوله‏:‏ رين به، الرين التغطية، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏"‏كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون‏"‏ أي‏:‏ غطى قلوبهم كسبهم السيئ عن سماع الحق، وهذا غطاه دينه، فالهاء في قوله‏:‏ به‏.‏ عائدة على الدين أي‏:‏ غطى الدين ماله‏.‏

الخامسة‏:‏ أنه يدل على النهي عن التفخم في الدين‏.‏

السادسة‏:‏ يدل على مشروعية الحجر للإمام وإشهار أمره‏.‏

السابعة‏:‏ يدل على قسمة المال بعد الانتظار لقوله‏:‏ في غد‏.‏

الثامنة‏:‏ يدل على التسوية بين الغرماء؛ لأنه طلب اجتماعهم‏.‏

التاسعة‏:‏ يدل على خلع المال لهم‏.‏

العاشرة‏:‏ يدل على أنه لا يزاد لهم على ذلك؛ لأنه لو زاد لنقل ولم يظهر مخالف وكان إجماعا‏.‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ من ادان في مباح معتقدا أن ذمته تفي بما ادان به فغلبه الدين حتى توفي؛ فعلى الإمام توفيته من بيت مال المسلمين أو سهم الغارمين من الصدقات كلها إن رأى ذلك على مذهب مالك، ومن رأى أن له جعل الزكاة كلها في صنف واحد أجزأته، وقيل‏:‏ لا يفيه من الزكاة ويؤديه من الفيء‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ والوصية بالدين واجبة، فإن فعل وترك وفاء لا يحبس عن الجنة لأجل الدين، أو لم يترك وفاء وأداه الإمام، فإن لم يؤده فالإمام المسئول عن ذلك، ولا يحبس المدين عن الجنة إذا لم يقدر على أدائه في حياته وأوصى به‏.‏ والأحاديث الواردة في الحبس دون الجنة بالدين منسوخة بما جعله الله تعالى من قضاء الدين على السلطان، وكان ذلك قبل أن تفتح الفتوحات‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ المعسر لا يحبس ولا يواجر ولا يستخدم ولا يستعمل كان عبدا مأذونا أو غير مأذون أو حرا، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ له ملازمته ولا يمنعه من الاكتساب، فإذا رجع إلى بيته إن أذن له في الدخول دخل وإلا فلا، ليتوصل بذلك للاطلاع على كسبه‏.‏ وقال ابن حنبل‏:‏ يواجر؛ لأن المنافع تجري مجرى الأعيان في العقود‏.‏

وجواب الأول‏:‏ أن ظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏"‏فنظرة إلى ميسرة‏"‏ يقتضي سقوط المطالبة، والأصل عدم مشروعية هذا التضييق وعدم سببه‏.‏ والثاني‏:‏ الفرق بأنها لا يجب بها الحج ولا الزكاة ولا التكفير، وافقنا ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الغرماء ثلاثة‏:‏ غني مطله حرام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - مطل الغني ظلم، ومعسر وهو أعسر من العدم، فكل معدم معسر من غير عكس‏.‏ فالمعسر الذي ليس بمعدم من يضره تعجيل القضاء فتأخيره مندوب، ومطله هو وهو مجتهد في الأداء غير حرام، قاله شيوخ قرطبة، وقالوا‏:‏ لا يلزم بيع عروضه وعقاره في الحال، تدل الروايات بخلاف ما أفتى به فقهاء الأندلس من التوكيل عليه، وإلزامه تعجيل البيع‏.‏ والمعسر المعدم يجب إنظاره‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الغريم محمول على الأداء حتى يتبين عدمه في دين المعاوضة وغيره؛ لأن الغالب على الناس الكسب والتحصيل، ويجري عندي في الدين الذي لم يأخذ له عوضا خلاف من مسألة الغائب عن امرأته، ثم يطلبه بالنفقة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ من أحاط الدين بما له حرمت هبته وصدقته وعتقه، ورد إقراره لمن يتهم عليه، ويجوز بيعه وشراؤه حتى يحجر عليه، وكذلك الإنفاق على امرأته ومن يلزمه الإنفاق عليه، ويتزوج من ماله ما لم يحجر عليه فيه، ولا يصالح عن جناية قصاص مما بيده، بخلاف الخطأ والعمد ‏"‏الذي‏"‏ ليس فيه قصاص‏.‏ وتبرعاته جائزة إن شك في استغراق الدين حتى تعلم إحاطته‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ التبرعات نافذة حتى يحجر عليه‏.‏

لنا‏:‏ أنه يضيع على الغرماء المال المتعين لهم فيمتنع، كالتصرف في الرهن‏.‏ وفي النوادر عن مالك‏:‏ إذا تصدق وأعتق ثم أنكر الغرماء فعله بعد مدة، فإن ثبت أنه حين الصدقة لا وفاء عنده فلهم ذلك، إلا أن يكونوا علموا بالصدقة، وإن كان فيها فضل لم يرد الفضل، ولا يرد العتق وإن طال زمانه، ووارث الأحرار، وجازت شهادته لتعلق الحقوق به، ولا يسمع إقراره بإسقاط أمته منه إلا ببينة من النساء أو تفسير ذلك قبل دعواه‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ والمهر المؤجل القريب والبعيد يحيط بماله، يمنع العتق والتبرع كسائر الديون، ولو أعتق عبدا فيه فضل عن دينه ثم داين رد للأولين بقدر الذي لهم، ويدخل معهم الغرماء الآخرون، ولا يباع شيء آخر، قاله ابن القاسم‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إذا حاص الآخرون مع الأولين بيع للأولين ثانية بقدر ما نقصهم الآخرون، ثم يدخل في ذلك الآخرون، وهكذا حتى يباع العبد كله، وإحاطة الدين يمنع من تحمل الحمالة كصدقته، ولا فيما بينه وبين الله‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لا يكلف الغرماء حجة على عدم غريمهم، ويقول على أنه لو كان لظهر ما استقاضة الحجر، ويكفي طلب البعض للحجر وإن كره الآخرون، وقاله ابن حنبل و‏(‏ش‏)‏ خلافا ‏(‏ح‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ قال بعض شيوخنا‏:‏ إذا قام صاحب الدين الحال دون صاحب المؤجل بطلب التفليس وبيد المطلوب كفاف الحال فلس حتى يكون بيده فضلة عنه؛ لأن من حق المؤجل إذا لم يجد فضلة أن يقول‏:‏ خربت الذمة‏.‏ قال التونسي‏:‏ يريد بالفضلة ما يمكن المعاملة به، يؤدي ما عليه منه‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إذا كان ما في يديه كفافا لمن حل دينه، وله مؤجل مثل المؤجل الذي عليه في العدد والأجل على موسر، أو يحل دينه قبله أو بعده وهو أكثر عددا، فإن بيع الآن وفى، وأجل دينه قبل وهو أقل ويرجى بعد قبضه، والتجربة أن يوفي ما عليه لم يفلس‏.‏

والمعروف من المذهب إذا كان ماله وفاء بجميع دينه ولم يفلس، وإلا فلس‏.‏ وفي الموازية‏:‏ إن كان ما في يديه أكثر من حق من حل فيه لم يفلس، وليس يحبس، وإذا ظهر منه إتلاف، وخشي صاحب المؤجل ألا يجد عند الأجل شيئا فله الحجر عليه، ويحل دينه إلا أن يضمن له، أو يجد ثقة يتجر، ويحال بينه وبينه‏.‏

فرع‏:‏

قال الطرطوشي‏:‏ إن كان غائبا وله مال حاضر فعن مالك‏:‏ يفلس، رواه ابن وهب ومطرف، وروى ابن القاسم‏:‏ إن قربت غيبته كتب إليه، وكشف عن أمره ليظهر ملاؤه من عدمه، والبعيد الغيبة إن جهل حاله‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يفلس لعدم تعين الضرر؛ لأنه لا يدرى ما حدث عليه، وقال أشهب‏:‏ يفلس، وبمذهبنا قال ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يحجر عليه، فإن حجر عليه لم ينفذ حجره؛ لأن الغائب له حجته‏.‏

لنا‏:‏ أن ضرر الغرماء قد ظهر فيعمل به كسائر الظواهر‏.‏ وفي النوادر‏:‏ إذا قال رجل للغائب‏:‏ عندي هذا المال قضى الحاكم الغرماء منه‏.‏ قال سحنون‏:‏ مواخذة له بإقراره، ولو كان حاضرا ما تمكن من رد هذا الإقرار لحق الغرماء فيه‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا قام غرماؤه فمكنهم من ماله فباعوه وقسموه، ثم داين آخرين لا يدخل الأولون معهم، وتمكنه كتفليس السلطان، ولو قاموا فلم يجدوا معه شيئا فتركوه فداينه آخرون ليس هذا بتفليس، ويتحاص الأولون والآخرون، بخلاف تفليس السلطان لأنه يبلغ من الكشف ما لا يبلغه الغرماء‏.‏ قال‏:‏ ولو عملت بلوغهم كشف السلطان رأيته تفليسه‏.‏

فرع‏:‏

قال قال ابن القاسم‏:‏ إذا قال لك في دينك الحال أنظرني إلى الصوم‏.‏ فقلت‏:‏ أنظرك إلى أن يتهيأ لك، فإن أشهدت له بذلك لزمك، وإلا فتحلف ما أردت إلا أن يتهيأ له ما بينه وبين الصوم‏.‏ قال أصبغ‏:‏ وليس لك قبل الصوم طلب إذا لم يتهيأ

له بغير موته من بيع عقار ونحوه، وإنما استنظرك مخافة ذلك، وإذا حل الصوم أخذته به وحلفت، وأما التأخير المبهم إلى أن يتهيأ فإلى زمن التهيؤ، إلا أن يكون ثم بساط في التأخير لزمن معين فلا يتجاوز‏.‏

وأما أحكامه فعشرة‏:‏

الحكم الأول‏:‏ جمع ماله وبيعه، وفي الكتاب‏:‏ من قام بدين على غائب - ولعله كثير المداينة - لغير من حضر بيع عرضه لمن حضر، وليس كالميت في الاستيناء لاجتماع من يطرأ من غرمائه لبقاء ذمة هذا دون الميت قاله مالك، وقال غيره‏:‏ يستأني كالميت إن كان معروفا بالدين؛ لتوقع الضرر على الغائب من الغرماء فيهما‏.‏ قال التونسي‏:‏ قريب الغيبة لا يفلس، وبعيدها مجهول الملاء، ومعروفها لا يفلس عند ابن القاسم، ولا يحل المؤجل من دينه، ويأخذ من حل دينه ما حضر، ويحاص فيه إن لم يف بالمؤجل، ولا يكون واجد سلعته أحق بها؛ لأن الأصل عدم التفليس‏.‏ وقال أشهب‏:‏ يفلس كالحاضر الغائب ماله‏.‏ قال أصبغ‏:‏ ويكتب تفليسه حيث هو، قال‏:‏ وفيه نظر؛ لأن أشهب إنما فلسه لإمكان تلف المال، فإذا وصل إليه فكيف يحل عليه بقية المؤجل وقد ذهبت العلة‏؟‏‏!‏ قال ابن يونس‏:‏ تباع داره وخاتمه، وسرجه وسلاحه، ولا تباع ثياب جسده دون ثوبي جمعته إن كانت لهما قيمة، وإلا فلا‏.‏

ويباع سريره وسيفه، ورمحه ومصحفه، دون كتب العلم في دين الميت، والوارث وغيره فيها سواء ممن هو لها أهل قاله سحنون، وخالفه أبو محمد وغيره؛ لأنها أعيان مقصودة بالأعواض كسائر المتمولات، ولم تتمحض للقرب كالمساجد والربط، قال صاحب المقدمات‏:‏ ولم يختلف في جواز بيع المصحف بخلاف كتب العلم‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وليس لغرماء المفلس أن يواجروا أم ولده، ويواجروا مدبره، ويبيعوا كتابة مكاتبه؛ لقبول ذلك للمعارضة وهي في حوزه، ولا يجبر على اعتصار ما وهب لولده، ولا أخذ شفعته، ولا قبول هبته؛ لقوله - عليه السلام - في حديث معاذ‏:‏ ‏(‏خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك‏)‏‏.‏

وإذا اشترى أباه بيع في الدين؛ لأن الدين مقدم على العتق وبر الوالدين، بخلاف لو وهب له لانخرام مقصود الواهب، بخلاف البائع، إلا أن يجهل الواهب أنه أبوه فيباع لعدم قصده العتق‏.‏

في النوادر‏:‏ الميراث كالشراء يباع أيضا، ولو دبر ولد أمته الصغير ثم استدان وفلس لا تباع الأمة للتفرقة، لكن تخارج ويأخذ الغرماء خرجها إلى مبلغ حد التفرقة، فتباع ويباع منها بقدر الدين، إلا أن يموت السيد قبل ذلك فتباع الأمة إن وفت الدين، ويعتق ثلث المدبر، وإن وفى بعضها عتق من باقيها، وفي بقية مبلغ الثلث من ذلك إن لم يدع غير ذلك، وإن كانت هي المدبرة فالجواب سواء‏.‏

قال سحنون‏:‏ لا يجبر ورثه الذمي على بيع خمره وخنازيره، وإن لم يرك غير ذلك، بل يتربص الطالب، فإن باعوا وصار مالا طلب وقضي له به، وكذلك مركب بساحلنا فيه خمر، وإن قالت امرأة المفلس‏:‏ هذه الجارية لي وصدقها، وقال الغرماء‏:‏ بل له‏.‏ قال سحنون‏:‏ إن كانت في حيازة المرأة والزوج يقوم بها لم تصدق بعد التفليس، وعلى المرأة البينة للتهمة في الحوز لها عن الغرماء، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في بيع داره وخادمه، قال‏:‏ وإن كان محتاجا إليه، وخالف ابن حنبل‏.‏

قال مالك ويستأني بربعه الشهر والشهرين لتوقع الزيادة في الثمن مع الأمن عليه، والعروض والحيوان مدة يسيره، والحيوان أسرع لقرب تغيره، ولا يبيع السلطان إلا بالخيار ثلاثة أيام لتوقع الزيادة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إلا أن يكون الربع أعظمها، وتكون المبادرة إليه متعينة خشية الرجوع عنه فلا يؤخر، والعادة أن يبيع القاضي بيع خيار وإن لم يشترط، إلا أن يعلم المشتري تلك العادة فله القيام في تنجيز البيع أو الرد إن كره البقاء على الخيار‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ ويترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام، وقال نحو الشهر، وإن لم يوجد غيره ترك؛ لأن الحياة مقدمة على مال الغير؛ لأنه يجب على الغير إزالة ضرره بماله، فأولى التأخير بما في الذمة‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن كان له كسب

فنفقته في كسبه وإلا ترك له ما يحتاجه إلى انفكاك الحجر عنه‏.‏ وقال ابن حنبل‏:‏ ينفق على الفلس ومن تلزمه نفقته بالمعروف إلى حين القسمة، فإن كان يكتسب أنفق على نفسه، وإن لم يكن له كسب أنفق عليه مدة الحجر وإن طالت، كالميت يجهز، وضرورة الحي أعظم‏.‏

لنا‏:‏ الحي مجبول على طلب الكسب والتسبب غالبا، وحق الغريم متعين فيقدم، والميت يتعين تجهيزه في ماله الحاضر، وأيس من تحصيله لمال آخر، وأهله عندنا وزوجته وولده الصغار فيعطى نفقتهم ونفقته، وكسوته وكسوتهم؛ لأن الغرماء عاملوه على ذلك‏.‏ وعنه لا تترك له كسوة زوجته لبعد ضرورتها عنه، فلها طلب طلاق نفسها، والصبر مدة بخلاف نفقته ونفقتها‏.‏ وفي الموازية‏:‏ إن بعث نفقة لأهله فقام غرماؤه فلهم أخذها؛ لأن حق الغريم متعين في المال، والزوجة لها أحد الأمرين‏:‏ إما النفقة أو الطلاق، فإن قال الرسول‏:‏ أوصلتها لأهله صدق مع يمينه، ولهم أخذها من عياله إن قاموا بحدثان ذلك، فإن تراخوا مدة تنفق في مثلها فلا شيء لهم لذهاب عين المال، فإن قاموا بحدثان ذلك فقال أهله‏:‏ قضينا دينا في نفقة تقدمت لم يصدقوا، وعليهم البينة، إلا أن يأتوا على ذلك بلطخ أو برهان‏.‏

قال اللخمي‏:‏ يجبر العامل على بيع قراض المفلس إن جاز بيعه، وكذلك إن كان هو المفلس، وفيه فضل، وإن لم يجز البيع لم يجبر‏.‏ قال‏:‏ وأرى إن رضي الغرماء أن يضمنوا للعامل ما يربح في مثلها عند أوان البيع أن يمكنوا الآن من البيع، ويدفعوا ذلك إليه وقت البيع، فإن لم يربح في مثلها ذلك الوقت لم يكن له شيء، وقال في كتاب محمد‏:‏ إذا خرج العامل إلى بلد آخر بيع لغرماء المالك، ولا يباع لغرمائه حتى يحضر المالك؛ لأن غرماء المالك كالمالك، وهو لو لقيه هناك له الانتزاع فكذلك غريمه، وغريم العامل كالعامل، والعامل ليس له الترك هناك، بل عليه إعادته إلى موضع قبضه‏.‏ فلو علم أنه لم يسافر إلا رجاء الربح لم ينتزعه رب المال ولا الغرماء إلا بعد الرجوع، وإن وجد قد اشترى بثمن ما باع لم يأخذوه منه حتى يقدم ربه، وهو كالذي لم يحل بيعه، وإن كان أخدم عنده لم يبع مرجعه، كانت الخدمة حياة المخدم أو

سنين معلومة‏.‏

وإن أفلس المخدم كانت الخدمة كالعرض، إن كانت معلومة العشر سنين ونحوها، وإن كانت حياة المخدم أو المخدم بيع منها ما قرب السنة والسنتين، وإن دارا ونقد كراءها بيعت تلك المنافع، ويباع دينه المؤجل عينا أوعرضا أو طعاما من قرض، ويؤخر إن كان من بيع حتى يحل أجله لامتناع بيع طعام السلم قبل قبضه، ويؤخر بيع ما لم يبد صلاحه حتى يبدو صلاحه، وتباع خدمة المعتق إلى أجل وإن طالت العشر سنين ونحوها، ولا يباع مال مدبره ولا مال أم ولده، ومعتقة إلى أجل؛ لأنه ملك غيره‏.‏

وقال ابن كنانة‏:‏ لا يترك للمفلس نفقة ولا كسوة؛ لأن الأصل أن الغرماء وغيرهم سواء في مواساته، وأرى أن يعتبر ما يترك له ثلث قدر المال الذي عليه وعياله، والسعر من الرخص والغلاء، فإن ترك له نفقة الشهر في غلاء أو كثرة العيال أضر بالغرماء، أو مع كثرة العيال ورخاء السعر لم يضر بهم، وأما مع قلة ما في يديه فالخمسة الأيام والجمعة حسن‏.‏ ويصح أن لا يترك له شيء بأن يكون ذا صنعة تكفيه، وقيل‏:‏ يترك للصانع النفقة اليسيرة خوف المرض، وليس ببين لندرة المرض؛ ولأن الغالب أن المفلس أخفى شيئا وراءه‏.‏

وفي النوادر‏:‏ إذا كان يفضل عن إجارة نفسه شيء أخذ‏.‏ قاله ابن القاسم‏.‏ قال سحنون‏:‏ والصناع إذ أفلسوا وليس لهم مال أخذ فضل أجر عملهم‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وإذا أفلس العبد المأذون انتزع ما في يده كالحر، وإن كان يؤدي لسيده خراجا في حال تجارته من ربحه مضى له ما أخذ، أو من رأس ماله رد‏.‏ وإن كان صانعا يشتري الشيء ويصنعه فالغريم أحق بما في يديه، ولا مقال على السيد فيما أخذ من الخراج مما قابل صنعته، وإن كان عنده فضل أخذ منه‏.‏

وإن علم أنه كان على خسارة انتزع من السيد ما أخذ، وإن أبقى السيد في يده شيئا من خراجه لم يأخذه الغريم، وإن كان في يده مال‏:‏ وهب له، أو تصدق به عليه، أو أوصي له به، قضي منه الدين، إلا أن يشترط المعطي أن يتسع فيه العبد، فلا يقضى منه‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس في المدونة‏:‏ إذا فلست امرأة ثم تزوجت وأخذت مهرها، ليس لغرمائها فيه قيام؛ ليلا يبقى زوجها بغير جهاز، إلا أن يكون الشيء الخفيف كالدينار‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجبر على انتزاع مال أم ولده، وله انتزاعه إلا أن يمرض، ولا دين عليه؛ لأنه حينئذ ينتزع للورثة لا لنفسه‏.‏

وإن فلس المريض لا يأخذ مال مدبره للغرماء، وإن مات بيع بماله، وإن أحاط الدين به‏.‏ قال التونسي‏:‏ إن مرض وعليه دين وله مدبر يرده الدين إذا مات لا يعجل بأخذ ماله لدين سيده حتى يموت، فلعله يعتق بعضه ويباع بعضه في الدين‏.‏ وقد يطول المرض ويفيد السيد مالا‏.‏

فرع‏:‏

قال الطرطوشي‏:‏ الحاكم عندنا يتولى بيع مال‏.‏ وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ ويستحب حضوره؛ لأنه أعلم بسلعه وميل الناس لمعاملته أكثر وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يبيع الحاكم، وإنما يأمر بالبيع، ويحبسه حتى يبيع‏.‏

لنا‏:‏ أنه - عليه السلام - باع مال معاذ، وقول عمر - رضي الله عنه - في حديث الأسيفع‏:‏ إنا بائعو ماله غدا على رأس المهاجرين والأنصار، فكان ذلك إجماعا وقياسا على الميت، وعلى بدل أحد النقدين بالآخر، فإنه ساعد عليه‏.‏ ولهم الفرق بأن الميت سقطت أهليته بخلاف الحي، والنقدان في حكم الشيء الواحد بخلاف غيرهما‏.‏

احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ‏"‏‏.‏ وبقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه‏)‏‏.‏ وهذا لم تطب به نفسه، وبالقياس على غير المفلس، ولأن تصرفه لنفسه أتم من الغير، ولأنه لو جاز له بيع ماله، لجاز له بيع منافعه لجريانها مجرى الأموال‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ القلب، فإن المفلس إذا امتنع من البيع فقد أكل ماله بالباطل، ثم نقول‏:‏ هذا يقتضي منع البيع إذا باع بتضييق الحاكم، ثم نقيس على ما أجمعنا على تخصيص هذه النصوص به من بدل النقدين أحدهما بالآخر، ونفقات الزوجات والميت‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق بأن تصرف المفلس يضر بالغرماء بالإزواء في الأثمان بخلاف غير المفلس‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أن الحاكم قد يملك الإنسان ما لا يملك هو‏:‏ كفرقة العنة‏.‏ وعن الرابع‏:‏ الفرق بأنه يجب عليه بذل ماله للدين، ولا يجب عليه أن يواجر نفسه، فقام الحاكم مقامه‏.‏

الحكم الثاني‏:‏ الحجر عليه ونفوذ تصرفاته، أوردها وبه قال ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل، وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحجر عليه‏.‏

لنا‏:‏ أنه - عليه السلام - حجر على معاذ، وفي الكتاب‏:‏ ليس له الزواج في المال الذي فلس فيه دون ما أفاده بعده‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ عن مالك‏:‏ لو اشترى عبدا فتزوج به ولا مال له يعطيه في الثمن وقد بنى أم لا، الثمن دين عليه إذا لم يعلم منه خلافه قبل شرائه، وإن علم منه الخديعة أخذ منه، واتبعته المرأة بقيمته، ولو باعه لم يفسخ بيعه‏.‏

وعن مالك‏:‏ إذا أحاط الدين بماله فتزوج بعبد بعينه ثم فلس المرأة أسوة إلا أن يصدقها إياه بعد أن وقف على الفلس، وعن مالك‏:‏ إن كان دينه أظله غرمه، ولزم به فالمرأة، أسوة الغرماء فيه، وإن لم يظله ولم يلزم به فالمرأة أحق به، ورجع مالك عن هذا‏.‏

قال اللخمي‏:‏ تصرفاته ثلاثة‏:‏ جائزة، وممنوعة، ومختلف فيها‏.‏ فالأول‏:‏ بيعه وشراؤه، وهبته للثواب، ونكاحه، ونحو ذلك مما هو معاوضة، فإن باع قبل الحجر

بمحاباة ردت المحاباة، أو بعد الحجر بغير محاباة وقف، فإن كان نظرا أمضي، أو فيه بخس رد، وإن شك فيه الزائد فإن لم يوجد أمضي‏.‏ وهذا ما لم يقبض الثمن أو قبضه وهو قائم بيده، فإن أنفقه فلهم الرجوع في السلعة، إلا أن يرضى المشتري بدفع الثمن مرة أخرى، فإن اشترى على أن يقضي مما حجر عليه فيه الثمن رد، إلا أن يكون فيه فضل، ويفوت بيعه إلا أن يرضى البائع أن يباع له ولا يدخل مع الغرماء، فيكون بمنزلة مبايعته بعد قسم ما في يديه‏.‏

والنكاح جائز، وإنما يختلف في الصداق، إن كان النكاح قبل الحجر حوصص بالصداق، أو بعده فلا، ولكن هو فيما يفيده بعد‏.‏

والمردود العتق والتدبير والتبرعات وقعت قبل الحجر أو بعده، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في القسمين؛ لأن الدين مقدم على المعروف، إلا أن يكون في خدمة المعتق إلى أجل، وفيما يجوز بيعه من خدمة المدبر ما يوفي العاجز من دينه، وإن أولد أمته قبل الحجر لم تبع لتقدم حقها، أو بعد الحجر بيعت، وبعد الوضع دون ولدها، وفي الكتابة قولان‏:‏ قيل‏:‏ كالعتق ترد، وقيل‏:‏ كالبيع ينفذ‏.‏

قال‏:‏ ورأى إن كان قيمته مكاتبا قيمته رقيقا مضت قبل الحجر أو بعده؛ لعدم ضرر الغرماء، إلا أن يتعذر بيع المكاتب، وإن كانت قيمته مكاتبا أقل وهو يوفي بالدين لم يرد، أو لا يوفي ردت إن كانت بعد الحجر أو قبل، والحبس لتخفيف الكتابة لما يرجو من الولاء ردت‏.‏

وإن كانت على حسن النظر من السيد ومن ناحية التجارة لكثرة النجوم مضت‏.‏ واختلف قول مالك في رهنه وقضائه لدينه فأمضاه مرة، ورده أخرى، وجعل للغرماء الدخول على القابض أو المرتهن يحاصوه، والأول في الكتاب، ورجع عنه ‏"‏في‏"‏ ذكر الرجوع في الكتاب أيضا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن أقر قبل الفلس بمال دخل صاحبه مع من هو ببينة، أو بعد الفلس لا يدخل فيما بيده، بل هو للغرماء؛ لأنه إقرار عليهم فلا يسمع، فإن أفاد بعد ذلك مالا دخل فيه مع من بقي له من الأولين شيء لاختصاص التهمة بالأول، وإن أفاد مالا بعد الفلس فلم يقم فيه الغرماء الأولون، ولا المقر له حتى أقر

بدين لآخر نفذ إقراره ما لم يكن عند قيام الأولين بتفليسه ثانية، فإن أقر قبل ذلك جاز، فإذا فلس ثانية فالمقر لهم آخرا أولى بما في يديه من الغرماء الأولين، إلا أن يفضل شيء عن دينهم، لأن ما في يديه هو من المعاملة الثانية إذا كان قد عومل بعد الفلس، وباع واشترى؛ لأن مالكا قال‏:‏ إذا داين الناس بعد الفلس ثم فلس ثانية فالمداين الأخير أولى من الأول؛ لأنه ما له‏.‏ فإن كان إنما أفاد المال الثاني بميراث أو صلة أو أرش جناية ونحوه، استوى الأول والآخر فيه‏.‏ وما دام قائم الوجه فإقراره جائز‏.‏ وفي النكت لم يختلف قوله في إقرار من أحاط الدين بماله، واختلف في قضائه‏.‏ والفرق أن الإقرار يوجب المحاصة مع الغرماء فهو أخف‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قوله‏:‏ إن أقر قبل الفلس يريد وقبل القيام عليه‏.‏ قال محمد‏:‏ وإذا قام الغرماء عليه ولا ببينة لهم نفذ إقراره، إن كان في مجلس واحد، وقرب بعض ذلك من بعضه، أو صاحب البينة لا يستغرق ما له فينفذ، فإن ذا البينة لا يفلس‏.‏

وعن مالك‏:‏ إن كان المقر له من مداينة وتقاض وخلطة يحلف ويحاصص من له البينة، وكذلك إن علم أنه باع منه سلعة لا تعلمها البينة، فقال عند التقليس‏:‏ هذا متاع فلان، فقيل‏:‏ يكون أولى للعلم بتقدم المعاملة فيه، وقيل‏:‏ لا يقبل قوله في التعيين، ويحلف الغرماء على علمهم؛ لأنه قد تعين أنفس منها ‏(‏كذا‏)‏ فإن نكلوا حلف البائع وأخذها، وكذلك القراض والوديعة كالسلعة يقبل قوله عند ابن القاسم دون أشهب‏.‏ وعن ابن القاسم يقبل قوله فيهما في الموت والفلس وإن لم يكن على أصلهما بينة؛ لأنهما أمانة بخلاف الدين، بخلاف قوله في مالي ذلك من غير تعيين؛ لأنهما دين حينئذ فيحصل فيهما ثلاثة أقول‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إقراره قبل الحجر لمن لا يتهم عليه جائز، ولمن يتهم عليه كالأب والزوج خلاف، والأحسن المنع؛ ليلا يواطئه ليرد إليه، وبعد القيام عليه ثلاثة أقسام، يجوز مع الديون التي قيم عليه بها كلها بينة، أو بغير بينة لا تستغرق المال، أو تستغرق ويعلم معاملة المقر له وأقر له بما يشبه‏.‏ ويمتنع الإقرار بعد الحجر، واختلف في ثلاث مسائل‏:‏ بعد القيام، وقبل الحجر، والسجن، وفيما ثبتت المعاملة بالبينة وأقر أن عين المشتري قائمة‏.‏ وفيما إذا أقر بأمانة كالقراض‏.‏ وينبغي للحاكم أن يبتدئ سؤاله عما عليه

للناس فيبينه، وأكثر الناس يتعاملون بغير إشهاد، ولا يعرف ذلك إلا من قبله، وإلا تذهب أموال الناس‏.‏ ولو قال بعد الكشف عن حاله‏:‏ فلان نسيته قبل بالقرب‏.‏ وإذا رد إقراره بعد الحجر ثم داين لم يدخل المقر له مع المداين؛ لأنه كان رضي بالتفليس، فإن صح إقراره ولم يرض بتفليسه ولا دخل في المحاصة قال‏:‏ لا يدخل مع الآخرين‏.‏ وقال محمد‏:‏ يدخل وإن كان غائبا حين الفلس؛ لأن الدخول مع الأولين كان له، وله الدخول مع الآخرين عند محمد، ومنعه ابن القاسم؛ لأنها أموال الآخرين لا يشاركهم الأولون، وهو أحسن‏.‏

واختلف إذا أبقى أحد الأولين في يديه نصيبه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ يضرب مع الآخرين بقدر ما أبقى كمدانية حادثة، وفي كتاب ابن حبيب‏:‏ يضرب بأصل دينه، وهو أحسن‏.‏ إذا لم يكن أراد فلسه، وإنما قام بحقه ليلا ينتفع به أصحابه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ كل إقرار رد ثبت في ذمته‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ اختلف في عتقه أم ولده‏:‏ أمضاه ابن القاسم في الكتاب، ورده المغيرة، ولم يجعله كطلاق امرأته‏.‏ وإذا أمضينا تبعها مالها عند مالك، ومنع ابن القاسم إلا أن يكون يسيرا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ وما لا يصادف المال ينفذ كالطلاق، والخلع، واستيفاء القصاص، وعضوه، واستلحاق النسب، ونفيه باللعان، وارتهانه، وقبول الوصية‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ والمال المتجدد بعد الحجر لا يتعدى إليه الحجر إلا بتجديده مرة أخرى‏.‏

فرع‏:‏

ما يتعلق بمصلحة الحجر كأجرة الكيال والحمال تقدم على جميع الديون؛ لأنها أهم من مصالح الغرماء‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يحلف المحجر عليه بالسلف مع شاهده ويأخذه دينه، ويحلف إذا رد عليه اليمين، فإن نكل فللغرماء الحلف، قاله ابن حبيب؛ لأن الحق لهم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أراد المفلس سفرا لمن بقي له دين حال منعه، ولا يمنعه صاحب المؤجل، ولا يطالبه بالكفيل، ولا الإشهاد إلا أن يحل في غيبته عند الاستحقاق، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ لا يحبسه خوف القرب، ولا يمنعه خشية الموت‏.‏

الحكم الثالث‏:‏ حلول ما عليه من الدين، وفي الكتاب‏:‏ مؤجل دين الميت والمفلس الذي عليهما يحل بالموت والفلس، وما لهما يبقى لأجله، وللغراماء بيعه إن شاءوا، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏، وقال ابن حنبل‏:‏ لا يحل ما على المفلس؛ لأن الأجل حق له فلا يسقط كسائر حقوقه، وقياسا على الجنون والإغماء، وله في الموت قولان، إذا أوثق بالورثة‏.‏

لنا‏:‏ أن الذمة خربت، ورب الدين إنما رضي بالتأجيل مع تمكنه من المال، وقد زالت المكنة بالحجر، وأخذ المال‏.‏ والفرق بينه وبين الإغماء، المال يضمه الولي أو الحاكم وهو عند إفاقته، والغالب سرعتها بخلاف الفلس‏.‏

الحكم الرابع‏:‏ إظهار الحجر عليه، وفي الجواهر‏:‏ إذا فلس العريم أو مات أحد وعليه دين فليأمر القاضي من ينادي على باب المسجد في مجتمع الناس‏:‏ إن فلان بن فلان قد مات أو فلس، فمن له عليه دين أو عنده قراض أو وديعة فليرفع ذلك إلى القاضي‏؟‏ كما فعله عمر - رضي الله عنه - مع الأسيفع، ويحذر الناس بعد ذلك، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏.‏

الحكم الخامس‏:‏ رجوع أرباب السلع وغيرها إلى ما لهم‏.‏ قال الطرطوشي‏:‏ إذا فلس بثمن المبيع والثمن حال أو مؤجل والسلعة قائمة بيده خير البائع في تركها ومحاصة الغرماء بالثمن، وفي فسخ البيع وأخذ عين ماله إلا أن يختار الغرماء دفع الثمن إليه فذلك لهم، وإن مات مفلسا فلا حق للبائع في عين سلعته، وهو أسوة

الغرماء، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا حق له في عين ماله في الموضعين، وبعد القبض أسوة الغرماء، وقبل القبض تباع السلعة ويقبض حقه من الثمن، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ هو أحق بها في الموضعين، إن شاء أخذها أو تركها وحاصص بالثمن، ووافقنا ابن حنبل‏.‏

وأصل المسألة أن الثمن يجري مجرى المثمن، وكذلك يقبل الإقالة والرد بالعيب، فإذا تعذر بالفلس كان كتعذر تسليم المبيع للمشتري فسخ البيع، وعند أبي حنيفة الثمن معقود به لا معقود عليه، فلا ينفسخ العقد بالإعسار به‏.‏

لنا‏:‏ ما في الموطأ والبخاري‏:‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏"‏أيما رجل أفلس فأدرك رجل متاعه بعينه فهو أحق به ‏"‏‏.‏ وروى مالك أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏‏"‏ أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يعط الذي باعه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به من غير، فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء ‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ أراد بصاحب المتاع المشتري؛ لأنه صاحب المتاع حقيقة، وأما البائع فهو كان صاحب المتاع ليلا يظن أن الإفلاس يضعف ملكه‏.‏

قلنا‏:‏ بل المراد المبتاع لأن المشتري أحق قبل الإفلاس فاشتراط الإفلاس لا يتم إلا على ما ذكرناه، ولأن أحق صيغة أفعل يقتضي الاشتراك، وعلى رأيكم لا اشتراك بل المشتري متعين، وعلى رأينا يكون الحق للمشترك في الانتزاع، وللبائع في أصل الملك فيتعين ما قلناه، وبالقياس على ما قبل قبض السلعة له حق الفسخ كما قاله بعضهم قبل القبض، وقال بقيتهم‏:‏ يباع ويختص بالثمن، فنقول‏:‏ فلا يكون أسوة الغرماء كما قبل القبض، والجامع تعذر الثمن‏.‏ وكما أن تعذر المبيع يوجب حق الفسخ فكذلك تعذر الثمن؛ لأن كل واحد عوض مقصود، ولا فرق بين المعين وما في الذمة؛ لأن العبد المبيع إذا أبق ثبت حق الفسخ، والمسلم فيه إذا تعذر ثبت حق الفسخ عندهم، وهو أحد أقوالنا وأحد قولي الشافعي‏.‏

ولا يلزمنا إذا باعه ثم رجع إليه وأعسر بالثمن، فإن البائع يملك الرجوع، ولا إذا وهبه ثم أفلس بثمنه لتعلق حق الغير به‏.‏ وكذلك إذا مات مفلسا؛ لأن الموت يقطع الأملاك

وينقلها للوارث، ولا إذا منع المبتاع الثمن من غير فلس لعدم التعذر، فيأخذ الحاكم الثمن قهرا ويسلمه له، أو نقول أحد المتبايعين يثبت له الخيار عند التعذر في حقه كالمشتري إذا طلع على العيب بل أولى؛ لأن تعذر الكل أعظم من تعذر الوصف، ولأن نسبة العقد إليهما نسبة واحدة، فوجب استواؤهما في آثارها، ولأنا فسخنا العقد بأجنبي عنه إذا تعذر وهو الرهن، فأولى تعذر الركن، أو نقول عقد معاوضة فيلحقه الفسخ بالإفلاس كالكتابة، ولا يلزم إذا باع من نفسه؛ لأنها عتاقة، ولا تلزمه الحوالة إذا وجد المحال عليه مفلسا، كقولنا عقد معاوضة والحوالة نقل للحق من ذمة إلى ذمة، ولا الخلع إذا أفلست المرأة؛ لأن الطلاق والعتاق لا يقبلان الفسخ بخلاف البيع‏.‏

ولا يقال‏:‏ رتبتم على العلة ضد مقتضاها؛ لأن المعاوضة مقتضى اللزوم بدليل اعتصار الهبة دون البيع، وثبوت الرجعة في المطلقة بغير عوض بخلاف الخلع‏.‏

لأنا نقول‏:‏ بل مقتضاها، لأن المعاوضة تقتضي التسوية بينهما، فلما كان لأحدهما الفسخ يكون للآخر كما تقدم‏.‏

احتجوا بقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏أيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه قبض من ثمنه شيئا أو لم يقبض فهو أسوة الغرماء‏)‏‏.‏ وهذا نص، ولأن الإفلاس لو كان سببا لذلك لكان سببا مع هلاك السلعة كالرد بالعيب، ولأن حق الجناية أعظم من حق البيع لترتبه، فهو أمر غير رضي المجني عليه، وهو لا يتعلق بأعيان الأموال فالبيع أولى، وبالقياس على رهن المشتري المبيع قبل فلسه، ولأنه أسقط حقه بالتسليم فيه فلا يرجع لأنه يساوي الغرماء في سبب الاستحقاق، ولأنه من أموال فلا يكون لأحد فيه سلطان، ولأنه لو اشترى بمؤجل وباع بحال ثم اشتراه بمؤجل ثم باعه من آخر بحال، ثم اشتراه بمؤجل وأفلس بجميع الأثمان فإن لم

يثبت الرجوع لزم مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجوع المبيع بحاله مع الفلس، وانتفضت قاعدتكم، وإن ثبت فليس أحدهم أولى من الآخر فيلزم الترجيح من غير مرجح، أو الجمع بين النقيضين في رجوع الكل؛ لأن كل واحد يكون مختصا بالمبيع، فالمبيع لا يكون مختصا، لأن المثمن مباين للثمن من وجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن الثمن في حكم المقبوض، ولهذا تجوز المعاوضة عليه دون العين المبيعة قبل القبض‏.‏ وثانيها‏:‏ إذا انقطع جنس المسلم فيه ثبت الفسخ، وانقطاع جنس الثمن لا يثبته‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ القول بموجبه؛ لأنه لا يرجع عندنا في الهلاك، ونحن نحتج بنقل ‏(‏ش‏)‏، والفرق أن في الهلاك اشتد باب الاكتساب فتعينت التسوية بين الغرماء؛ ليلا يذهب بعض الحق مطلقا‏.‏ أما في الفلس مع الحياة فخير الجميع متوقع بما تعينت المفسدة، وعن الثاني‏:‏ أن الفسخ في العيب عند الهلاك يحصل فائدة، وهو قيمة السلعة كاملة، والكامل أتم من الناقص في قيمته، وههنا لو فسخ رجع إلى ذمة المشتري، وإذا لم يفسخ فهو في ذمة المشتري، مع أن القيمة قد تكون أقل أو مساوية أو أكثر ولا مرجح قبل الكشف عن ذلك، فلم يكن ثم غالب يناط به الحكم العام؛ فيسقط اعتبار الفسخ لعدم الفائدة، بخلاف العيب قرينة التمام دليل ظاهر على حصول الفائدة، فظهر الفرق‏.‏ وعن الثالث‏:‏ أن أصل الجناية لا يتعلق بأعيان الأموال، والبيع تعلق بأعيان الأموال، فكان تعذرها مؤثرا فيه‏.‏ وعن الرابع‏:‏ أن الرهن يوجب تعلق حق الغير بغير ما تعلق به حقه، بخلاف الغرماء لم يتعلق حقهم إلا بالذمة دون عين المبيع، فظهر الفرق‏.‏ وعن الخامس‏:‏ إسقاط الحق بالتسليم لا يمنع الرجوع، كما إذا اشترى عبدا بثوب وسلم الثوب فأبق العبد أو وجد أحد العرضين معيبا قبض الآخر، وقد رجح على الغرماء بوجود عين ماله بخلافهم‏.‏ وعن السادس‏:‏ أن كونه ماله لا يمنع من سلطان الغير عليه، كالعبد إذا أبق بعد أن صار الثوب من أمواله، وعن السابع‏:‏ قال أبو الوليد‏:‏ إنه لم يجد في هذه الصورة نقلا، ورأى أن الآخر أحق لأنه كالناسخ فما رجحناه إلا بمرجح‏.‏ وعن الثامن‏:‏ أن التصرف يجوز عندنا في المبيع إلا في الطعام؛ تعظيما لقدره لكونه سبب الأقوات وقوام الحياة، فهذا الأمر يخصه لا لكونه ثمنا أو مثمنا‏.‏

ولنا‏:‏ على ‏(‏ش‏)‏ ما رواه مالك أنه - عليه السلام - قال‏:‏ ‏"‏ أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاع منه ولم يقبض الذي باع منه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به، فإن مات الذي ابتاعه فصاحب المبتاع أسوة الغرماء ‏"‏‏.‏

احتج بما رواه‏:‏ أنه - عليه السلام - قال‏:‏ ‏"‏ أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه، فلأن الرجوع في الموت أولى بخراب الذمة والإياس، فلو عكس الحال لكان أولى، ولأن الشفيع يثبت حقه في الحياة وفي الموت مع الوارث فأولى البائع؛ لأنه كان مالكا لغير المبيع، وما رضي بالنقل إلا بشرط سلامة العاقبة بخلاف الشفيع‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن إسناده ضعيف، وعن الثاني‏:‏ تقدم الفرق عنه، وعن الثالث‏:‏ أن ضرر الشفيع بالشريك والمتجدد لم يختلف في الحياة والموت، وتعذر الاستيفاء في الموت متعين فلا يسقط شيئا من حقوق الغرماء كما تقدم‏.‏

تفريع‏.‏ في الكتاب‏:‏ إذا فلس المبتاع والسلعة قائمة بيده فالبائع أولى بها، وإن لم يكن للمفلس مال غيرها إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها إليه، فذلك لهم‏.‏ وإن مات المبتاع قبل دفع الثمن وهي قائمة بيده فالبائع أسوة الغرماء‏.‏

وإن تغيرت الهبة للثواب بيد الموهوب بزيادة أو نقص في بدن، وقد فلس فللواهب أخذها إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها فذلك لهم‏.‏

في النكت‏:‏ إذا كانت الهبة للثواب قائمة، قيل‏:‏ فسواء قبل الموهوب أو مات الواهب أولى من الغرماء‏.‏ وأما إن فاتت فله أخذها في الفلس دون الموت؛ لأنها إذا فاتت وجبت القيمة في الذمة فصارت كثمن المبيع‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ فإن كانت بيد البائع فهو أحق في الفلس والموت اتفاقا؛ لأنها كالرهن بيده، وكذلك من اشترى سلعة بسلعة فاستحقت التي قبض فهو أحق بالتي دفع بالدفع إن وجد عينها في الموت والفلس جميعا قولا واحدا‏.‏

ولو تزوج بسلعة بعينها ففلست ثم طلقها قبل الدخول أو ظهر فساد العقد فهو أحق بها إن فسد العقد، أو بنصفها إن لم يفسد في الفلس والموت قولا واحدا‏.‏ وتعين أن هذا هو المبيع إما بالبينة، وإما بإقرار المفلس قبل

التفليس، أما بعده فأقوال‏:‏ أحدها‏:‏ أن قوله مقبول مع يمين صاحب السلعة، وقيل‏:‏ بغير يمين، وقيل‏:‏ لا يقبل، ويحلف الغرماء لا يعلمون أنها سلعته، وقيل‏:‏ إن كانت على الأصل بينة قبل قوله في تعينها، وإلا فلا‏.‏ قاله ابن القاسم‏.‏

وأما المعين فهو أحق بما في يده في الموت والفلس، فإن سلمها للبائع فقال ابن القاسم‏:‏ أحق في الفلس دون الموت كالعرض، وقيل‏:‏ كالغرماء قاله أشهب‏.‏ فإن لم تعرف بعينها فكالغرماء في الموت والفلس‏.‏

قال التونسي‏:‏ إن دفع له الغرماء الثمن، قال ابن القاسم‏:‏ ضمانها من المفلس لأنهم نواب عنه، وقيل‏:‏ منهم لأن ربها لو أخذها لبرئ هو من ضمانها‏.‏ وإذا باع سلعتين ففاتت إحداهما فله أخذ الباقي، وإن رضي الغرماء بدفع ثمنها فذلك لهم؛ لأن الأصل بقاء ملك المشتري وهم نوابه‏.‏ قال محمد‏:‏ وهم أولى بها حتى يستوفوا من ثمنها ما فدوها له، وقال ابن القاسم‏:‏ هو يدخل معهم في ثمنها بثمن الفائتة كأنهم أسلفوا ثمنها، ومحمد يقول‏:‏ هم حلوا محل صاحبها، ولو أخذها صاحبها لم يحاصصهم إلا بما بقي من ثمن الفائتة كذلك هم، وكذلك لو كان ثمنها مائة وهما مستويان فانتقد خمسين ففلس المشتري، وفاتت واحدة، وأراد أخذها دفع ما نابها مما قبض وهو خمسة وعشرون وخاص بخمسة وعشرين ثمن الفائتة،

واختلف هل يكون الغرماء أحق بالسلعة حتى يأخذوا منها ما فدوها به‏:‏ وهو خمسة وعشرون، قاله أشهب، أو يكونون كالمسلفين وذلك للمفلس فلا يكونون أحق، قاله ابن القاسم‏؟‏

ولو وجدها رهنا لم يأخذها البائع إلا أن يعطي ما رهنت به، ثم يحاص بما غرم‏.‏ وكذلك لو جني المبيع حتى يدفع الجناية ولا يرجع بها كالعيب يدخلها، وإن شاء أخذها معيبة وإلا حاص بالثمن‏.‏ ولو وجده قد صبغ لم يأخذه حتى يدفع الصبغ كله، قال أشهب‏:‏ ثم يحاص به الغرماء ويكون الصبغ للمفلس ويشارك به‏.‏ وينبغي على مذهب أشهب أن يكون أحق به حتى يستوفي منه ما دفع في إجارته؛ لأنه يحل فيه محل الصباغ فيكون أحق بذلك من الغرماء‏.‏ وقال محمد‏:‏ لا يحاص بما أخرج فيه من ثمن، ولعله أراد أن قيمة الصبغ مثل ما أخرج فلا فائدة لرب الثوب في الدفع والشركة، وقد يكون ذلك

أضر‏.‏

واختلف إن أحلت قيمتها على مشتريها ففلس المشتري، فقيل‏:‏ يكون أحق بالحيلولة محلك، وقيل‏:‏ لا‏.‏ لأنه لم يبع، واختار محمد الأول، والثاني وابن القاسم، وهو نحو مما تقدم‏.‏

ومن ارتهن زرعا لم يبد صلاحه، ثم فلس الراهن فحاص الغرماء من بيده الرهن إذ لا يقدر على بيعه فيبيع الزرع بعد أن حل بمثل الثمن فأكثر، وما وقع له في الحصاص، وما فضل بيده عن دينه، وقد يقع أقل، وأحسن ما يقال‏:‏ أن ينظركم حاص أو لا‏.‏ فإن قيل‏:‏ بمائة وغريم آخر بمائة، تدفع له خمسون، فإن بيع الزرع بخمسين فهل الواجب أن تكون المحاصة بخمسين ويضرب الغريم بمائة فيقع لك ثلث المائة وللغريم ثلثاها، وذلك ثلثا خمسين الذي قبضت ورد على صاحبك ثلث خمسين‏؟‏ ولو تزوجها بمائة ففلس قبل الدخول فضربت بمائة فوقع لها خمسون، ثم طلقها فيقال‏:‏ انظر لو حاصصت بخمسين ما الذي كان يقع لها فتحسبه وترد البقية‏؟‏ ولو تزوجها فدفع لها خمسين، ثم فلس فضربت بالخمسين الباقية وقع لها خمسة وعشرون، ثم طلقها لردت من الخمسين خمسة وعشرين، وينظر لو ضربت مع الغرماء بخمسة وعشرين في مال المفلس، وفي الخمسة والعشرين التي تردها كم ينوبها فتمسكه، ولو دفع لها خمسين وطلقها، ثم فلس قال ابن القاسم‏:‏ ‏"‏ترد‏"‏ خمسة وعشرين وتضرب بخمسة وعشرين؛ لأنها تستحقها‏.‏

قال ابن يونس عن مالك‏:‏ إن أوقف السلطان الغلام أو الدابة بعد الفلس لينظر فمات المفلس قبل قبض البائع فهو أحق، وإن لم يقبض لأنه أوقفه له، وكان ابن كنانة يقول‏:‏ للغرماء فداء السلعة من أموالهم بل يبدءون البائع من مال المفلس إن كان له مال، وقال أشهب‏:‏ ليس للغرماء أخذها بالثمن حتى يزيدوا عليه حطيطة عن المشتري من دينهم، وتكون السلعة لهم نماؤها وعليهم ‏"‏ خسارتها ‏"‏، وقال ابن القاسم‏:‏ من المفلس خسارتها وله زيادتها‏.‏ وإذا أبقى بعض ثمن السلعة لم

يأخذها إلا برد جميع ما قبض، ومتى أراد الغرماء تكميل الثمن فلا مقال له، ومتى كان المبيع سلعة مختلفة أو متماثلة وقبض بعض الثمن وهلك بعض السلع قومت ورد نصيب الباقي وحاصص بنصيب الهالك‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا وجد المبيع وقد قبض بعض الثمن رجع بحصة ما بقي من الثمن، ولا يخير بين رد المقبوض والضرب مع الغرماء‏.‏

لنا‏:‏ أن ظاهر الخبر أثبت له أخذ ماله إذا وجده وقد وجده، ووافق إذ قال بأخذ ‏"‏أحد‏"‏ العبدين المستويين بما بقي من الثمن، ووافق إذا وجد السلعة رهنا لا يأخذها لتقدم حق المرتهن على المشتري قبل التفليس، وقال‏:‏ إذا وجد المبيع ناقصا نقصان جزء ينقسم عليه الثمن كعبدين أو طعام ذهب بعضه، أو نخلة بثمرة ذهبت ثمرتها، خير البائع بين الضرب مع الغرماء بالثمن وبين فسخ البيع بما بقي بحصته، ومحاصه الغرماء بحصة ما تلف، ونقصا لا ينقسم عليه الثمن كذهاب يد أو رجل خير بين أخذه بجميع الثمن أو الترك والضرب بالثمن، وإن زاد البيع زيادة غير متميزة كالسمن والكبر واختار البائع الفسخ تبعت الزيادة الأصل كالرد بالعيب، أو متميزة كالثمار في النخل رجع بالمبيع دونها، قال كالرد بالعيب، وإن كان عبدا فعلمه صناعة أو قرآنا فلا شيء للمشتري في ذلك، أو قمحا فطحنه، أو ثوبا فقصره أو خاطه ولم تزد قيمته، فكذلك وإن زادت فهل يكون كالأول أو يكون المشتري شريكا‏؟‏ قولان عندهم‏.‏ ومتى زاد الصبغ بيع الثوب وأخذ البائع بقدر قيمة الثوب، وإن نقصت خير بين أخذه ناقصا أو الترك والمحاصة، ومتى خلط المبيع المثلي بجنسه أخذ مكيلته، هذا نص مذهبه، وقال ابن حنبل‏:‏ لأنه يأخذ غير عين شيئه‏.‏ وقال هو وابن حنبل‏:‏ لا يلزم البائع بذل الغرماء الثمن تمسكا بظاهر الخبر، وكما إذا أعسر الزوج بالنفقة فبذل أجنبي تمسكا أو عجز المكاتب فبذل غيره الكتابة، ولو دفعوا الثمن للبائع لزمه قبوله كما لو وفت الأموال‏.‏

وجوابه‏:‏ أن الغرماء لهم حق في أملاك المفلس وأمواله فلهم تحصيل مصلحتهم بإزالة ضرر البائع ولا منة على المشتري؛ لأنهم ساعون لأنفسهم، بخلاف

الأجنبي مع الزوج لا حق له في بقاء عصمة المرأة، وتلحق المنة الزوج بقبول النفقة، فالزوج مع ذلك معيب عند المرأة بخلاف المشتري مع البائع، وظاهر الخبر إنما أوجب أخذ المبيع صونا للمالية، فإذا ضيقت عملنا بموجب عقد البيع المتقدم وهو أولى لما فيه من الجمع بين الموجبات‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا اختلط عسل أو زيت بمثله أخذ مكيلته‏.‏ قال ابن ‏"‏ القاسم ‏"‏‏:‏ وإن خلطه بشيء اشتراه من آخر تحاصا فيه‏.‏ قال محمد‏:‏ فلو صبت زيت هذا في جريرة هذا فهما أحق بذلك من سائر الغرماء يتحاصان في ثمنها بقدر قيمة هذا من قيمة هذا، ليس لهما غيره إن أحبا ألا أن يعطي الغرماء ثمن الجميع أو ثمن أحدهما ويدخلون مدخله مع الآخر، وتوقف فيها محمد‏.‏ قال مالك‏:‏ ولو أخذ مقدار دنانيره أو بزه إذا رقمه وخلط جميع ذلك ببينة بجنسه‏.‏ قال أشهب‏:‏ ذلك في العروض من البز ونحوه، وهو في العين أسوة الغرماء‏.‏ قال أصبغ‏:‏ إلا أن يخلطه بغير نوع كصب زيت الزيتون على زيت الفجل، أو القمح النقي بالمغلوث أو المسوس فهو فوت‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ لو زوجها بعبدين فقبضتهما، ثم فلست وطلقها قبل البناء فهو شريك فيهما‏.‏ قال ابن المواز‏:‏ إن لم يوجد إلا نصف المهر فإن كان هلاكه بغير سببها فليس له إلا نصف ما وجد ولا محاصة له بما بقي، أو بسببها حاصص بنصف ما ذهب‏.‏

ولو باع أمة فجنت لم يأخذها حتى يدفع الجناية ولا يرجع بها كالعيب يدخلها‏.‏ قال مالك‏:‏ ولو تعورت أو اعورت بغير جناية يأخذها بجميع حقه أو يترك ويحاصص‏.‏ ولو اعورت بجناية جان فأخذ نصف قيمتها ليأخذها بنصف حقه إلا أن يعطيه الغرماء نصف حقه ويحاصص بالنصف الآخر في الوجهين أو يتركها ويحاصص بجميع الثمن‏.‏ وكذلك الثوب يخلق أو يدخله فساد إلا أن يكون ذلك فاحشا جدا فلا يكون له أخذه، قال عبد المالك‏:‏ أما الثياب تنقطع لا أدري، وأما الجلود تقطع نعالا فهو فوت‏.‏ قال‏:‏ ومتى الشيء هكذا فلا أرى له

أخذه‏.‏ ولو بنيت العرصة دارا أو نسج الغزل ثوبا كان شريكا للغرماء بقيمة العرصة من قيمة البنيان، وكذلك الغزل ونحوه بأن يكون قيمة العرصة الثلث، والبنيان الثلثان، يكون شريكا بالثلث، قاله مالك وأصحابه‏.‏

قال أصبغ‏:‏ من اشترى زبدا فعمله سمنا، أو عمل الثوب قميصا، أو الخشبة بابا، أو ذبح الكبش، وذلك فوت ليس للبائع إلا المحاصة، بخلاف العرصة والغزل؛ لأنه عين قائمة زيد فيه غيره‏.‏ قال محمد‏:‏ والجلد يدبغ، والثوب يصبغ، يكون شريكا للغرماء بقدر ما زاد ذلك‏.‏ ولو رقع الثوب شارك بما زاد الترقيع، ولو كانت رقعة أو رقعتين وأكثره خياطة فتوق فهو بذلك أسوة الغرماء‏.‏ وقيل‏:‏ لو قيل‏:‏ إن ما قابل الصبغ يشارك به، وما قابل أجرة يده يحاصص به، لكان أشبه‏.‏

قال محمد‏:‏ وزراعة القمح وطحنه فوت‏.‏ قال أشهب‏:‏ إذا وجده عند الصباغ أو القصار قد فرغ أعطاه الأجرة، وأخذه وحاصص الغرماء بما أعطى يقوم مقام الصباغ‏.‏ وقال محمد‏:‏ لاشيء له فيما فداه به إن سلمه إليه ليس له إلا ثوبه، زاد الصبغ أو نقص، أو يتركه ويحاصص، كالعبد يجني، ثم يفلس فيفديه، فإذا باعه فلا شيء له مما فداه به‏.‏

ولو وجد سلعته مرهونة خير بين فدائها وأخذها بالثمن كله ويحاصص بما فداها به، إلا أن يشاء الغرماء أخذها ويعطوه جميع الثمن ويحاصصهم بما فداها به فيها، وفي جميع مال الميت أو يدعها ويحاصص‏.‏ قال محمد‏:‏ والفرق بينهما أن الرهن من جهة المشتري، والجناية لم يتعلق بذمته شيء يلزمه‏.‏ قال محمد‏:‏ إذا جني العبد فالغرماء مخيرون في فدائه بدية الجناية وثمنه الذي لبائعه، ثم يبيعون ويستوفون من ثمنه دية الجناية، فإن عجز عنها لم يكن لهم من بقية الجناية شيء يزيد ويكون لهم عليه ثمنه الذي دفعوه لبائعه، قال‏:‏ فإن فضل بعددية الجناية شيء أخذوه في ثمنه الذي دفعوه فداء، فإن فضل بعد ذلك فضل فبين غرمائه من دينهم‏.‏ فإن مات أو نقص بعد أن فدوه فلا شيء على المفلس فيما فدوه به، وإن شاءوا افتكوه من بائعه بالثمن، ومن المجروح بالجناية وبزيادة ولو درهما

يحطونه عن الغريم من دينهم ليكون العبد لهم، فإن مات كان دينهم عليه إلا الزيادة التي زيدت على الدية‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وإن أبق العبد فأراد المحاصة بالثمن على أنه إن وجده أخذه، ورد ما حاص به ليس ذلك له، إما أن يرضى بطلب العبد ولا شيء له غيره أو المحاصة، إلا أن يرضى الغرماء بدفع الثمن ويطلبوا الآبق، وليس ذلك شراء للآبق؛ لأن أداءهم على المفلس، وللمفلس نماؤه ونقصه، قال أشهب‏:‏ له ترك المحاصة وطلب العبد، فإن وجده فهو أحق به وإلا رجع فحاص الغرماء‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ ليس له أخذه بثمنه؛ لأنه شراء آبق فإن باعه المشتري وسلمه فحاص البائع بالثمن، ثم رد بعيب فللبائع أخذه ورد ما أخذ؛ لأنه عين ماله‏.‏ ولو وطئها المشتري لا يمنع الوطء الأخذ بخلاف الاعتصار، وهبة الثواب؛ لتعين الضرر ههنا‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا رده المشتري بعيب لم يقبض ثمنه من البائع، ولو وجد ثمنه بعينه بأن يكون الثمن كتابا أو طعاما أو نحوهما فهو أحق به، وقال سحنون‏:‏ إذا فسخ البيع في البيع الفاسد وفلس البائع فالمتباع أحق بالسلعة حتى يستوفي ثمنها؛ لأنها عين ماله‏.‏ وقال محمد‏:‏ لا يكون أحق كالرد بالعيب، والخلاف في الرد بالعيب‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ لو أخذ سلعة بدين أخذا فاسدا لا يكون أحق بها، قد يمكن أن يكون تأخيره لمكان ما أخذ منه فوجب أن يكون أحق بها؛ لأنه ترك الطلب حين الملاء لظنه الوفاء بما أخذ‏.‏ واختلف في المحال بثمن السلعة هل يكون أحق كأصله أم لا، لأنه لم يبع شيئا واختار محمد الاول على قاعدته‏:‏ أن من فدى شيئا قام مقامه، وعند ابن القاسم وأصبغ‏:‏ لا يقوم مقامه‏.‏ وفي الإقالة أيضا خلاف‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا كانت السلعة من قرض ففي الموازية لا يكون أحق؛ لأن الحديث إنما جاء في البيع، وقال الأصيلي‏:‏ أحق كالبيع، ولو اشترى رجل الدين الذي هو ثمن السلعة، ثم فلس المشتري للسلعة لم يكن مشتري الدين أحق‏.‏ ولو تصدق بالدين لكان المتصدق عليه أحق، فإن باع ثمرة مزهية ووقع الفلس بعد يبسها فهل يكون أحق بها‏؟‏ خلاف عن مالك، وأحق بها أحسن لأنها عين ماله، ولأنها ضمان البائع حتى تصير إلى اليبس‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ الخلاف مبني على أصلين‏:‏ أحدهما‏:‏ الأخذ هل هو نقض للبيع من أصله أو ابتداء للبيع‏؟‏ فعلى الأول يصح الأخذ، وعلى الثاني يختلف فيه بناء على أصل آخر، وهو ما أدت إليه الأحكام من الذرائع هل يعتبر أو لا‏؟‏

قال اللخمي‏:‏ وإذا وجد المشتري عيبا بالمبيع فلم يسترجع حتى فلس البائع فاختلف هل يكون أحق به يرده ويباع له أو يكون أسوة‏؟‏ وعلى أنه أسوة قيل‏:‏ يخير بين حبسه ولا شيء له من العيب، أو يرد ويحاص‏.‏ وقيل‏:‏ له حبسه ويرجع بقيمة العيب؛ لتضرره بالرد والمحاصة، وهو أبين‏.‏ وإن كان البيع فاسدا ولم يقبض الثمن حتى فلس المشتري فإن لم يفت رد البيع، وإن فات بحوالة سوق أو عيب فللبائع أخذه أو يحاص بالقيمة‏.‏

ولو قبض البائع الثمن، ثم فلس قبل فوت السلعة اختلف هل يكون المشتري أحق بها، أو تباع له في ثمنه، أو يكون أسوة‏؟‏ وعلى القول الآخر يخير بين الرد والمحاصة بثمنه، أو يمسك وتكون عليه القيمة، أو يقاص الثمن‏.‏

ومتى نقص المبيع بفعل آدمي وأخذ له أرش، ثم ذهب ذلك العيب كالموضحة، أخذ المبيع دون الأرش لعدم النقص‏.‏ قال محمد‏:‏ فإن يعد لقيمته رده وأخذ الباقي بما ينوبه من الثمن يوم البيع، وحاصص بنقص الجناية كساعتين وجدت إحداهما‏.‏ فإن نقصت بآفة سماوية فلمالك قولان‏:‏ أخذ الباقي بجميع الثمن، أو يحاصص ويأخذها بقيمتها، أو يحاص بالثمن‏.‏ فإن كان من سبب المشتري كالثوب يخلق فخلاف تقدم نقله، والقياس فيه فض الثمن على الذاهب والباقي وسقط ما ينوب الموجود ويضرب بما ينوب الذاهب؛ لأنه شيء قبضه منه‏.‏

ويختلف إذا هرم العبد عنده هل يكون له أخذه قياسا على وجدان العيب بعد الهرم‏؟‏ هل يكون ذلك فوتا أو لا‏؟‏ وعلى القول بأخذه يختلف هل يضرب بما نقص كما قيل في العيب‏؟‏ وكبر الصغير فوت، وكل ما يمنع من الرد بالعيب فإنه يمنع الأخذ في الفلس‏.‏

تمهيد‏:‏ في الجواهر‏:‏ يشترط في العوض تعذر أخذه بالفلس، فمتى وفى

المال فلا رجوع‏.‏ وقال عبد المالك‏:‏ متى دفع إليه الغرماء الثمن من أموالهم أو من مال المفلس فلا رجوع‏.‏ ومنع ابن كنانة من أموالهم بل من مال المفلس، وقال أشهب‏:‏ ليس لهم أخذها بالثمن حتى يزيدوا عليه زيادة يحطونها عن المفلس، ثلاثة أقوال،

وللمعوض شرطان‏:‏ وجوده في ملك المفلس، فلو هلك أو خرج عن ملكه بكتابة فلا رجوع، والثاني‏:‏ عدم التغير فلو زرعت الحنطة أو خلط جيد برديء أو مغلوث أو مسوس، أو يعمل الزبد سمنا أو يقطع الثوب قميصا أو الخشبة بابا، أو يذبح الكبش فقد فات‏.‏ ولو أضيف إليه صنعة كالعرصة تبني، والغزل ينسج لا يمنع الرجوع ويشارك الغرماء بقدر قيمته من قيمة البنيان والنسج‏.‏ ومن شرط المعارضة التمحض للمعاوضة، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح لتعذر استيفاء المقابل، لكن لو طلقها قبل البناء وفلست وعرف الثمن بيدها أخذ نصفه ويثبت حق الزوج في الإجارة والسلم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ولدت الأمة عنده، ثم مات وبقي ولدها، ثم فلس فللبائع المحاصة بجميع الثمن أو أخذ الولد بجميع دينه؛ لأنه نشأ عن ماله، وليس بعض المبيع حتى يتقسط الثمن بإعساره، إلا أن يعطيه الغرماء جميع الثمن فيأخذوا الولد لاندفاع الضرر‏.‏ ولو وجد الأمة أو الغنم تناسلت فله أخذ الأولاد كالرد بالعيب، والغلة للمبتاع كصوف جزه ولبن حلبه وثمرة جناها، إلا أن يكون الصوف يوم الشراء على ظهور الغنم قد تم، وفي النخل ثمر مؤبر فهو كالمبيع له أخذه‏.‏ وقال غيره‏:‏ إن جذ تلك الثمرة وجز ذلك الصوف فهما كالغلة؛ لأن أصلهما غلة‏.‏ وفي النكت‏:‏ يستوي بيع الولد وموته بخلاف الأم لأنه بيع‏.‏ قال التونسي‏:‏ لم يذكر إذا أخذ الصوف هل يغرم الجزاز أم لا‏؟‏ وإذا أخذ الثمر في رءوس النخل دفع السقي والعلاج، وفيه اختلاف‏.‏ وإذا بيعت وحدها بغير أصل بعد زهوها، ثم فلس بعد يبسها، فقيل‏:‏ يأخذها لأنها معينة‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال في العتبية‏:‏ سواء ماتت الأم وبقي الولد أو مات الولد

وبقيت الأم، لا يأخذ الباقي إلا بجميع الثمن أو يترك ويحاص‏.‏ وإن باع المشتري ولد الأمة أو الفرس أو غيرهما، يأخذ بجميع الثمن أو يحاص؛ لأن الأم هي المبيعة، والولد كالغلة، وإن باع الأم قسم الثمن عليهما وأخذ الولد بحصته ويحاص بحصة الأم قاله كله ابن القاسم‏.‏ قال غير واحد‏:‏ يقوم الولد اليوم أن لو كان يوم العقد فتصرف حصته‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ولو قتل أحدهما فأخذ له عقل فهو كالموت، ولو باعها بولدها كانا كسلعتين بيعتا في صفقة لي ما وجد منهما، قاله مالك‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ والرد بالعيب بخلاف الفلس، ولو باع الولد المتولد عنده ورد الأم بعيب لم يكن له ذلك إلا أن يرد معها أثمانهما، ولو باع الأمة، وبقي الولد، ثم ظهر على عيب كان بها لم يرجع بشيء إلا أن يرجع عليه أو يرجع إليه‏.‏

وقال يحيى في التفليس‏:‏ إن جذ المشتري تمرا رد ملكيته، أو رطبا رد قيمته، يريد إذا فات، وله أجرة سقيه وعلاجه‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ لا نفقة له لأنه إنما أنفق على ماله وما أصابه منه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وإنما يصح قول يحيى‏:‏ هذا في الرد بالعيب، وأما في التفليس فلا يكون للبائع مثلها ولا قيمتها؛ لأن عين شيئه قد ذهب فيتعين الثمن ويحاص بما ينوب الثمرة‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ لو اشترى غنما عليها صوف ثائرة فجزه وباعه، فيأخذ البائع الغنم، ويقوم الصوف بقدره من الرقاب يوم البيع لا بما بيع فيحاص الغرماء بذلك‏.‏ ولو باع شجرا بلا ثمر أو فيها ثمر لم يوبر فهو للبائع، أو أبر فللمبتاع، وإذا جذ الثمرة افترق المابور عن غيره عند ابن القاسم‏:‏ المابور للبائع أخذه، وغيره كالغلة لا ترد‏.‏ وإن ابتاع دارا فدخلت غلتها لم تكن غلتها له‏.‏ وفي العتبية‏:‏ ما اكتسب العبد عند المبتاع فلم ينتزعه حتى فلس فللبائع أخذه‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ إذا ابتاع عبدا بماله إلى أجل فذهب ماله بانتزاع من السيد أو استهلاك من العبد أو غيره، فإن أخذ العبد فلا شيء له غيره، أو يتركه ويحاص‏.‏ وإن هلك العبد وبقي المال فليس له أخذ المال، وهو أسوة الغرماء لضعف المال العبد‏.‏

وقد قال مالك‏:‏ إن ذهب مال العبد في الثلاث لا يرد بذلك، ويرد بالعيب، ولا شيء عليه من المال، إلا أن يكون انتزعه منه‏.‏

وعن مالك‏:‏ إذا باع ثمر حائط ‏[‏برطب‏]‏ فيبس في النخل عند المشتري، لا يأخذه البائع؛ لأنه أعطى رطبا وأخذ ثمرا، يحرم يدا بيد، فكيف إلى أجل‏؟‏‏!‏ وقال أشهب‏:‏ له أخذه إلا أن يعطيه الغرماء الثمن على القاعدة؛ لأن هذا أمر أدت إليه الأحكام وهو عين شيئه، كما يمتنع بيع الآبق، ويأخذ العبد إذا أبق‏.‏ قال‏:‏ وكذلك القمح يطحن، والشاة تذبح، والزبد يعمل سمنا ونحوه يمنع أخذه كالرطب بتمر؛ لأنه قمح بدقيق، وزبد بسمن‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ عن الشيخ أبي القاسم السيوري‏:‏ إذا ولدت الأمة له أخذ الباقي منهما بحسابه‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ تؤخذ الثمرة في خمس مواطن‏:‏ في الفلس ما لم تزايل الأصول، والشفعة، وفي الاستحقاق، فإن يبست فلا تؤخذ فيهما، والبيع الفاسد، والرد بالعيب ما لم تطلب فللمبتاع‏.‏

نظائر‏:‏ الغلة للمشتري في خمسة مواضع‏:‏ في الفلس، والشفعة، والاستحقاق، والبيع الفاسد، والرد بالعيب‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ إذا قال المشتري للغرماء‏:‏ إما أن تضمنوا السلعة أودعوا البائع يأخذها ليس ذلك له؛ لأن الأصل ضمانه منه، وعن ابن وهب‏:‏ إذا قال ذلك، ثم حبسوها ودفعوا الثمن ضمنوها، ويحاسبهم بها المفلس فيما دفعوا عنها، وإن بيعت ففضلها له‏.‏

فرع‏:‏

قال أصبغ‏:‏ إذا اشترى من الغنم رقيقا بأكثر من دينه، ثم فلس وليس له غير ذلك الرقيق فللغانمين الذين باعوه من الرقيق مقدار ما يفضل عن سهمه أحق من الغرماء إن كان اشترى منهم مقدار ما صار لهم‏.‏ أما لو أحيل عليه بمقدار ما زاد

عنده، فالمحال أسوة الغرماء إذا اشترى من قوم معينين مما صار لهم خاصة بالقسم؛ لأنها ليست سلفا بعينها، إنما هي غنائم يبيعها السلطان‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا اشترى طعاما على الكيل أم لا، ثم فلس البائع قبل قبضه، فالمشتري أحق بالطعام؛ لأنه ليس في الذمة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ الأجير على سقي زرع أو نخل أو أصل إن سقاه فهو أحق به في الفلس حتى يستوفي، وفي الموت أسوة الغرماء‏.‏ والأجير على رعاية الإبل، أو حلابها، أو علف الدواب، هو في الموت والفلس أسوة الغرماء؛ لأن للأول أثرا ظاهرا بخلاف الثاني، ورب الحانوت والدار كغرماء مكتريها في الموت والفلس؛ لأن أجرته في الذمة، وجميع الصناع أحق بما أسلم إليهم في الموت والفلس؛ لأن أعيان صنائعهم في المتاع، وكذلك المكتري على حمل متاع إلى بلد أسلم دابته للمكتري، أو معها ورب المتاع معه أو لا‏.‏ وكذلك المكتري على حمل متاع وهو رهن كالرهن، ولأنه وصل على دوابه للبلد‏.‏

وفي التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ الصناع أحق بما في أيديهم‏.‏ مفهومه أنهم لو دفعوه لأربابه لم يكونوا أحق، هو مروي عنه، وعنه أنهم أحق وإن أسلموه؛ لأن في أعيان أعمالهم‏.‏ وقوله‏:‏ لأنه وصل على دوابه إلى البلد‏.‏ يقتضي أن السفينى كذلك‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ وهو أحق في الموت والفلس، والنخل مما يبقى للمساقي فهو أحق في الموت والفلس‏.‏

قال التونسي في كتاب ابن حبيب‏:‏ ما وضعه الصانع من الرقاع في الثوب أو خياطة فتق إن كانت الرقاع الجل فهو أحق بالثوب يقوم مرقوعا وغير مرقوع ويكون شريكا‏.‏ وكذلك إن تنصفت الخياطة والرقاع وإلا فهو أسوة؛ لأن الأقل تبع‏.‏ وقال محمد‏:‏ هو أحق بما زاد مطلقا، ويضرب ببقية الأجرة‏.‏ وكل صناعة ليس عليها عين قائمة كالخياطة بغير رقاع والقصارة، فهو كالغرماء في الموت والفلس‏.‏ قال محمد‏:‏ والأجير يدرس الزرع ببقرة أحق بالأندر؛ لأن الأندر لا

ينقلب به صاحبه، ولا يحتوي عليه، بخلاف من استعملته في حانوتك وينصرف بالليل، ليس أحق في الموت ولا فلس، واختلف في مكري الأرض للزرع‏:‏ ففي المدونة‏:‏ أحق في الفلس خاصة؛ لأن الأرض هي المنمية للزرع؛ فأشبه بائع الزرع، وقيل‏:‏ أحق في الموت والفلس كبائع سلعة لم يسلمها، فكأن يده ما زالت عن المبيع، وكذلك أجير الزرع اختلف فيه بناء على المدرك المتقدم؛ لأن يده على ما أخرج لم يسلمه، أو يقال‏:‏ سلمه في الأرض، وقيل بالفرق، فرب الرض أولى فيهما، والأجير في الفلس خاصة لقوة استيلاء الأرض، وهما يقدمان على المرتهن في الفلس، وإن مات المكتري قدم عليهما على القول بأنهما أسوة في الموت‏.‏

وانظر لو اكترى الأرض فزرعها بنفسه، وسقي ثم فلس، بماذا يكون رب الأرض أولى بجميع الزرع مع المكتري نماه أم لا‏؟‏‏!‏ ولو كان موضعه أجيرا لشارك رب الأرض؛ لأن بالقدر الذي لو كان معه أجيرا كان له قدر تنمية أرضه، ويأخذ غرماء المكتري ما نماه‏.‏ وظهور الإبل حائزة لما عليها في فلس أصحاب المتاع، كان أصحابها معها أو لا، بخلاف الدور إلا عند عبد المالك؛ لأن الإبل سيرها بالمتاع إلى البلاد تنمية‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا استأجر لزرعه للسقي فعجز فأجر آخر، فرب الزرع والأجير الثاني أولى بالزرع يتحاصان، وما فضل فللأجير الأول دون الغرماء؛ لأن بالثاني ثم الزرع، كما لو رهنه فأحياه الراهن بماله، ثم عجز، ثم استدان، ثم فلس، يبدأ الأخير فالأخير‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ إذا حصد الوارث، ودرس وزرع فعجز فقام الغرماء فله أجرته‏.‏

وفي المدونة‏:‏ إن اكترى دابة بعينها فله قبضها بعد الفلس كعبد اشتراه، وفي الكراء المضمون أسوة الغرماء إلا أن يقبضها ويحمل عليها فهو أولى، إلا أن يريد الغرماء بيع الظهر، ويضمنون كراءه في ثقة فذلك لهم‏.‏ وعنه كذلك إذا تكاروا الجمال وهو يديرها تحتهم أم لا، هم أحق لأنه كالتعيين‏.‏ والفرق بينه وبين أجير علوفة الدواب‏:‏ أنه ليس له في عين الدواب حق، بل في الذمة‏.‏ والفرق بين أجير العلوفة وأجير السقي‏:‏ أن الدواب قد ترعى وترتحل بأنفسها والأصول لا تشرب بنفسها‏.‏

وكل صانع يخرج عين العمل كالصباغ يخرج الصبغ، والصقيل يخرج حوائج السيف، والفرأء يرقع الفرو برقاعه، ثم يقبض ذلك ربه، ثم يفلس، فينظر إلى قيمة الصبغ يوم الحكم هل نقص ذلك الثوب بذلك أم لا‏؟‏ فيشارك بذلك الصانع الغرماء أنها سلعته، إلا أن يدفع له الغرماء ما شرط له المفلس، وإن لم يكن له غير عمله وسلمه فهو أسوة الغرماء، وإذا سلم الصانع أحد السوارين فليس له إلا حبس الباقي على أجرة الباقي، وأجرة الآخر بقيت في الذمة‏.‏

قال اللخمي‏:‏ فإن فلس الصانع والصباغ، أو الحائك، أو الخياط، فلمستأجره المحاصة بقيمة تلك الصنعة، فما صار له خير بين أن يعمل له به، ويتم من عنده ويتبع الصانع بالباقي أو يأخذ ذلك من الأجرة التي أسلمها ويتبع بالباقي، وتنفسخ بالباقي الإجارة؛ لأن تبعيض الخياطة والصبغ عيب، وإن كانت الإجارة في عين الأجير فمن له عليه مال أحق بماله، والمستأجر أحق بصنعته، ولا يدخل بعضهم على بعض، ثم يعمل لمستأجريه الأول فالأول، إلا أن يكون ثم عادة بتأخير بعضهم لدخولهم على ذلك، أو لجهل حالهم فيقترعون‏.‏ فإن فلس المستأجر فالأجير أحق في الموت والفلس؛ لأنها العادة، فإن لم تكن عادة فيختلف هل يكون أحق بصنعته لأنها بيده ولم يسلمها، أو كالغرماء أنه سلمها في الثوب وفاتت فيه‏؟‏ ويختلف إذا مات ولا عادة كما تقدم، وإذا كان الفلس قبل أن يعمل خير بين الفسخ والعمل، ويكون كالغرماء، وليس له العمل ليكون شريكا بعمله، فإن عمل وسلم فعن ابن القاسم في نحو الخياطة والقصارة والصبغ‏:‏ هو كالغرماء لتسليمه، وعنه‏:‏ هو أحق بصنعته، شريك بها لوجوده في عين السلعة قائمة‏.‏ وهل يشارك بقيمة الصنعة، وبما زادت فإن لم ترفهو كالغرماء قولان، والأول أصح‏.‏

ولو وجد البائع السلعة في يد الصانع فله دفع الأجرة وأخذ الثوب، قال أشهب‏:‏ ويحاص بالأجرة ويكون شريكا بالصنعة، وعن عبد المالك‏:‏ الأجير على رعاية الإبل، وفي كل شيء يخلف الأجير به دون صاحبه، ويقوم مقامه، وهو أحق به في الفلس والموت، وكذلك المجاعل في الآبق والبعير الشارد، أومن توكل ليأتي بمال من العراق، وإذا فلس المكتري والكراء على ركوبه فالمكري أحق بإبله في

الفلس، كان الكراء بعيرا بعينه أو بغير عينه‏.‏ ويختلف إذا كان الكراء على حمل متاع، وقد أبرزه له ولم يحمله، ففي كتاب الرواحل‏:‏ المكري أحق به، وعلى قول غيره في الإبل إذا كانت غير معينة هو كالغرماء لا يكون أحق بالمتاع؛ لأن المتاع لا يتعين عند ابن القاسم‏.‏ فإن فلس بعد بلوغ المتاع، وكان صاحب الإبل يخلو بالمتاع ويحوزه فهو أحق به في الفلس والموت، فإن لم يكن يحوزه فعند ابن القاسم‏:‏ هو أحق به في الفلس، والموت إن كان صاحب الإبل أسلم إبله إلى المكتري؛ لأنه بلغ على إبله، وعلى قول عبد المالك‏:‏ كالغرماء لأنه لم يجزه ولم يخْل به، وهو أبين‏.‏ وقد يحمل قول ابن القاسم على زيادة السوق في البلد الذي بلغت إليه أكثر من الكراء، فإن كان أقل لم يكن أحق إلا بتلف الزيادة في الفلس دون الموت‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ المستأجر أحق بالدابة في الفلس كما قلناه‏.‏

وفي النوادر قال ابن القاسم‏:‏ إذا دفع غلامه لمن يعلمه إلى أجل معلوم ففلس السيد فالمعلم أحق إلا أن يعطيه الغرماء ما شرطه له السيد لتقدم حقه قبل الفلس، وكذلك لو لم يعلمه شيئا يبدأ، إلا أن يكون ينقلب بالليل إلى سيده‏.‏ وكذلك المستأجر على بناء عرصتك من عنده مقاطعة؛ لأن ما وضعه في العرصة كسلعة بعينه‏.‏ وقال سحنون‏:‏ أجرة الأجير تقدم في الفلس على الديون؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه‏)‏‏.‏ وإذا اكترى دارا بدينارين فنقد دينارا، ثم فلس الساكن بعد سكنى نصف سنة، إن شاء رب الدار تركها وحاص بديناره الباقي، أو يأخذ داره ويرد نصف ما انتقد حصة النصف الباقي عن السنة ويأخذ باقي السكنى ويحاص بنصف دينار بقيمة حصة ما مضى، إلا أن يعطيه الغرماء نصف دينار حصة باقي السكنى ويحاص بنصف دينار باقي كراء ما مضى‏.‏

قال الأبهري قال مالك‏:‏ لا يقبل إقرار الصناع بعد فلسهم هذه السلعة لفلان

أو هذا الغزل، أو هذه السبيكة لإخلاله بحجر الفلس‏.‏ وعنه يقبل لأنها أمانات فلا تهمة كمال أنفسهم‏.‏ وإذا استدان فزرع، ثم استدان وقدم الآخر، فالآخر قدم الآخر على الجميع كان أولا أو آخرا؛ لأن به حصلت مصلحة المال، ويقدم الأجير الأخير على الأول؛ لأن بعمله وجد الزرع، فهو كواجد عين ماله، ثم الذي يليه، فلو تكاراها فزرع واستأجر، ثم رهن الزرع وقبضه المرتهن بدئ بصاحب الأرض والأجير يتحاصان لوجدانهما عين مالهما، والفضلة للمرتهن لأنه لم يوجد الرزع بأرضه ولا بعمله، ثم للغرماء ما فضل عن المرتهن‏.‏

قال مالك‏:‏ وإذا فلس عامل القراض وفي يده أمتعة حاص بها الغرماء، إلا أن يثبت بالبينة أن هذا عين ماله فهو أحق به؛ لأن القراض حق من الحقوق في يد العامل كحقوق الغرماء‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ الأجير أحق بما بقي عليه من العمل في الموت والفلس جميعا، وانتقضت الإجارة كالسلعة بيد البائع‏.‏

الحكم السادس‏:‏ ضمان مالهم بعد الفلس‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ قال أشهب‏:‏ مصيبته من الغريم كان عينا أو عرضا، ورواه عن مالك وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ لأنه عين ماله‏.‏ وعن مالك ضمانه من الغرماء إذا اصتحبه ‏(‏كذا‏)‏ السلطان عينا كان أو عرضا‏.‏ وروى ابن القاسم عنه، وقال به‏:‏ العين من الغرماء إن كانت ديونهم عينا، وإن كانت ديونهم عينا وماله عروض فمن المفلس، وكذلك العروض المخالفة للدين، والمماثلة منهم؛ لأنهم يتحاصون فيها من غير بيع‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ من الغرماء في الموت ومن المفلس في الفلس، فالأول مقيس على الثمن يهلك في المواضعة يكون ممن تكون الأمة له، والثاني‏:‏ مبني على أن السلطان وكيل لهم، وقبض الوكيل قبض للموكل، والرابع‏:‏ مبني على تعذر غير الغرماء في الموت فيتعينون، وفي الفلس الأصل ضمان المفلس للديون حتى تصل إلى أربابها‏.‏

وفي الجلاب‏:‏ لو باع الحاكم ماله، وقبض ثمنه، فتلف الثمن ‏"‏قبل‏"‏ قبض

الغرماء ضمنوه لتعينه لهم بالبيع، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ من المفلس؛ لأنه الأصل‏.‏ وقال عبد المالك‏:‏ ضمان الذهب ممن له عليه ذهب، وضمان الورق ممن له عليه ورق‏.‏ وبالجملة فالخلاف مبني على أن الأصل ضمان المفلس لأنه ملكه أو السلطان وكيل للغرماء أو وكيله، أو إذا كان المال يحتاج لبيع فعلق المفلس باقية ‏(‏كذا‏)‏ وإلا فلا‏.‏ وفي النكت‏:‏ قال بعض شيوخنا‏:‏ إن كان الموقوف دنانير وحقهم دراهم لم يضمن الغرماء ما ضاع، وإنما معنى كلام ابن القاسم‏:‏ في العين الموقوف‏.‏ إذا كان من جنس حقوقهم التي يقبضونها، وقوله‏:‏ ولا يضمنون العروض‏.‏ يريد إذا كانت خلاف حقوقهم، وإلا فلا؛ لأنها على ملك الغريم حتى تباع‏.‏

الحكم السابع‏:‏ قسمه ماله‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ يباع من ماله على نسبة الدين، فإن اختلفت أجناسها من العين والعروض وطعام السلم قوم لكل واحد قيمة دينه بثمنه يوم الفلس، ويقسم ماله بينهم على تلك الحصاص، ويشتري لكل واحد بما صار له سلعته أو ما بلغ منها، ولا يدفع لأرباب الطعام ثمن الطعام؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وكذلك أرباب العروض إلا أن يكون السلم عرضا في عرض ليلا يدخل سلف بزيادة، أوضع وتعجل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يتأنى في القسم إن كان معروفا وكذلك الميت، ويعزل لمن غاب نصيبه، وضمانه من الغائب‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ هذا اتفاقا والخلاف إنما هو إذا وقف المال للمفلس ليقضي منه غرماؤه‏.‏ ولو طرأ غريم لم يعلم بعد ما وقف للأول لضمن له الأول‏:‏ قدر نصيبه من الموقوف وإن علم هلاكه؛ لأنه لما كان ضامنا له فكأنه قبضه‏.‏ وإذا غرم الطارئ بحصته رجع بمثل ذلك على المفلس أو الميت؛ لأنه قد استحق منه بخلاف وارث يطرأ على وارث وقد هلك ما بيده الوارث بأمر سماوي وثبت ذلك‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ وكان ينبغي أن يكون الغريم الموقوف لايضمن أيضا للطارئ شيئا، ولكن يحط ذلك القدر من الدين الموقوف، ويرجع بذلك الغريم الطارئ على الميت والمفلس‏.‏

والفرق بين الوارث والغريم‏:‏ أن الغريم دينه من معاوضة فما هلك في

يديه فهو منه، والوارث لم يضمن في ذلك ثمنا وداه، وكان ضمانه من الميت، فإذا طرأ وارث لم يرجع عليه بشيء؛ لأنه كأنه لم يقبض شيئا‏.‏ والغريم لما كان هلاكه فهو كما لو وكله فوجب للغريم الرجوع، ثم يتبعان ذمة المفلس‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أراد بعضهم إيقاف ما ينوبه لم يأخذ الباقون منه شيئا في بقية دينهم، إلا أن يربح فيه، أو يفيد من غيره فيضرب القائمون عليه في الربح بما بقي لهم، والآخرون بما بقي لهم بعد الذي أبقوا بيده بقدر ما داينوه به، ثم يتحاصون مع الآخذ أولا في الربح، والفائدة كما تقدم‏.‏ ولو كان فيما أبقوا في يده وضيعة وطرأت فائدة من غير الربح ضربوا فيها بالوضيعة، وبما بقي لهم أولا، وضرب فيها الآخذ أولا بما بقي له، وإن كان ما بيده الآن عروضا قومت، فما فضل فيها من ربح عن قدر ما ألقوا بيده تحاصوا في ذلك الربح أولا بما بقي له، والآخر بما بقي له بعد الذي أوقف بيده‏.‏ فإن هلك جميع ما وقف بيده وطرأت فائدة ضرب فيها الآخذ أولا بما بقي له، وهو لا بجميع دينهم ما أوقفوا بيده وما بقي لهم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا كان لعبده عليه دين لا يقسم له معهم؛ لأنه يباع لهم، إلا أن يكون على العبد دين لأجنبي فيقسم له، وغرماؤه أحق بما نابه وما في يده ويتبعون ذمته بما بقي لهم، وتباع رقبته لغرماء السيد‏.‏ في النكت‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ إن وقع له مثل الدين الذي عليه فأقل أخذه، أو أكثر لم يكن له ذلك‏.‏ قال أبو محمد‏:‏ إذا بيع العبد لغرماء سيده دخل في ثمنه غرماء السيد وغرماء العبد؛ لأن العبد أحد غرماء السيد‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يقال إذا بيع‏:‏ دين السيد عشرون للعبد على السيد مثلها، وعليه لأجنبي مثلها، وليس للسيد إلا العبد، فيقال‏:‏ من يشتريه وعليه عشرون وعلى أن ما وقع له في الحصاص مع غريم سيده سقط عند مثله من دينه، فإن قال رجل‏:‏ بعشرين‏.‏ قيل‏:‏ له يقع له في الحصاص عشرة يقضيها وتبقى عليه عشرة، فإن

قال آخر‏:‏ آخذه بثلاثين‏.‏ قيل‏:‏ يقع له في الحصاص خمسة عشر يقضيها وتبقى عليه خمسة، وخالف ابن شبلون‏.‏ وقال‏:‏ يباع لغرماء السيد ولا يدخل معهم غرماء العبد، وقيل‏:‏ يضرب العبد مع غرماء سيده بجميع دينه، فإن وقع له مثل الدين الذي عليه فأقل ‏"‏أخذه‏"‏ غريمه، أو أكثر رد الزائد لغرماء سيده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقسم للمجني عليه جناية خطأ لا تحملها العاقلة، وإن كان عن غير معاوضة، وفي التنبيهات قيل‏:‏ الجراح التي لا يحاصص فيها كالمأمومة والمنقلة على أحد قولي مالك لا تلحق بالخطأ، ونحا إليه أبو محمد، وقال غيره‏:‏ العمد والخطأ سواء، وهو مضرور يدفع القصاص عن نفسه كالخلع والنكاح‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وفي كتاب الصلح منْ أحاط الدين بماله فجنى جناية عمد فصالح عنها بمال للغرماء رده؛ لأنه من أموالهم‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ لم ينكر في كتاب الصلح إن صولح قبل قيامهم هل لهم الرد أم لا‏؟‏ ولعله إذا وقع فات‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقسم للمرتهن زرعا لم بيد صلاحه، ولم يحل بيعه عند الحصاص، فإذا حل بيعه بيع وأخذ ثمنه، إن كان مثل الدين فأكثر ويرد الزيادة مع ما أخذ في الحصاص للغرماء، وإن كان أقل فهو الذي كان يستحق الحصاص به ويرد الفاضل‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وعلى هذا لو تزوجها بمائة، ثم فلس قبل الدخول فضربت فوقع لها خمسون فطلقها قبل البناء فعلى ما تقدم، ولو تزوجها بمائة خمسين نقدا وخمسين مؤجلة وبيده مائة وعليه لرجل خمسون فدفع لها الخمسين النقد، ثم فلس فضربت بالخمسين الباقية فوقع لها خمسة وعشرون، ثم طلقها قبل البناء لردت من الخمسين النقد التي كانت قبضتها خمسة عشرين ونظرت لو ضربت مع الغريم بخمسة وعشرين الباقية لها في مال المفلس، وفي هذه الخمسة والعشرين التي ردت كم كان ينوبها من ذلك‏.‏ مثاله‏:‏

بيده مائة أعطاها الخمسين النقد وبقيت بيده خمسون، ففلس فضربت فيها بخمسين والغريم بخمسين، فوقع لها خمسة وعشرين، ثم طلقها فردت خمسة وعشرين، وتستحق أيضا من المهر خمسة وعشرين، وقد كان يجب أن يضرب، بها فينظر ما كان يقع لها لو ضربت بخمسة وعشرين والغريم بخمسين، وذلك خمسة وسبعون فتأخذ في الخمسة والعشرين التي بيدها ويبقى للغريم الخمسون التي بيده ولا ترد شيئا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ للسيد مبايعة عبده المأذون، ويضرب بدينه مع غرمائه، وكذلك بدينه على مكاتبه، ولا يضرب بالكتابة في موت ولا فلس لضعفها في أصل المعاوضة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا ارتد ولحق بدار الحرب وعليه دين فقاتل وقتل، وفتحت البلاد فالغريم أحق بماله من الغانمين؛ لأنه متعد بخروجه لدار الحرب‏.‏ قال التونسي‏:‏ جعل الباقي يخمس ولم يجعله كله في بيت المال كمال المرتدين لأجل القتال عليه من المسلمين فأشبه الغنائم، ولو عدا العدو على بيت المال، ثم غنمنا ما عدا عليه يخمس؛ لأنه ليس له مالك معين، وقيل إذا قدم الحربي إلينا فداين، ثم مضى لبلده، ثم غنم ماله إن دينه لا يكون فيما كان ببلد الحرب بل فيما ببلد الإسلام؛ لأنه على ذلك عومل، ويصير ما بأرض الحرب مملوكا للجيش بقيمته، فإن فضل عن دينه شيء من هذا المال الذي ببلد الإسلام بعث على ورثته إذا قتل في دار الحرب؛ لأنه لم يملك رقبته فيملك ماله، ولو أسر لكان ماله الذي في بلد الإسلام فيئا للجيش الذي أسروه‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ من له مؤجل حاصص بعدده إن كان عينا وإلا بمثله لو كان حالا، وما صار له في الحصاص اشتري له به مثل صفة دينه، وإن تغير سوقه بغلاء قبل أن يشترى له لم يرجع على أصحابه بشيء؛ لأنه لو ضاع جميعه لم يرجع عليهم، وإن رخص السعر اشترى الجزء الذي نابه في الحصاص ودخل معه أصحابه في الفاضل كما طرأ للمفلس‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ لا يدخلون معه؛ لأن من أصله أن المصيبة منه إن هلك قبل الشراء، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا كان الدين عرضا‏.‏ وقال صاحبه‏:‏ لا أتعجله قبل الأجل أجبر على أخذه لما فيه من براءة الذمة‏.‏ وعن ابن نافع‏:‏ إن أعطى حميلا إلى الأجل لم يقبل منه وقد حل بالتفليس، والقياس قبوله لحصول الأمن، ومن بيده رهن يوفي حقه لا يحل دينه‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ يحاص صاحب الرهن بجميع حقه إلا أن يتابع الرهن، يريد إذا لم يجز بيع الرهن، ومتى كان لا يجوز بيعه كالثمر والزرع قبل بدو الصلاح ضرب المرتهن بدينه، فإذا بيع وفيه وفاء رد ما أخذ، فإن كان دينه مائة وبيع بخمسين، والذي أخذ في الحصاص خمسون فالباقي من دينه بعد ثمن الرهن خمسون فيمسك من الذي أخذ في المحاصة خمسة وعشرين؛ لأنها التي كانت تنوبه لو بيع الزرع له ويرد خمسة وعشرين فيضرب فيها بخمسة وعشرين؛ لأنها الباقي من دينه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا لم يقبل إقرار المفلس، ثم داين آخر لم يدخل الأول؛ لأنه رضي بالتفليس، وحقه على زعمه فيما أخذه أصحابه، فإن صح إقراره ولم يرض بالتفليس ولم يدخل في المحاصة‏.‏ قال محمد‏:‏ يكون ذلك له، وقال ابن القاسم‏:‏ لايدخل مع الآخر لأنها أموال الآخرين‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن أبقى أحد الأولين نصيبه في يد المفلس، قال ابن القاسم‏:‏ يضرب مع

الآخرين بقدر ما أبقى كمداينة حادثة‏.‏ وفي كتاب ابن حبيب‏:‏ بقدر أصل دينه، وهو أحسن إذا لم يكن أراد فلسه، وإنما قام به ليلا ينتفع به أصحابه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا قسم مال المفلس، ثم وجد في يده مال من معاملة‏.‏ وقال الأولون فيه فضل نأخذه، كشف السلطان، فإن تحقق الفضل أقر في يده ما يوفي الآخرين، وقضى الفضل الأولين، وإن كان من فائدة ولم يعامل بعد الفلس أخذه الأولون، وإن عامل اقتسم الفائدة الأولون والآخرون يقدر الباقي لهم، وإن كان قائم الوجه لم يفلس فالأولون أحق بالفائدة؛ لأن محمله في المعاملة الثانية على الوفاء، وإن قضى الفائدة الآخرين فللأولين أخذ مثل ما قضى مما في يده من المعاملة الثانية، وإن تبين فلسه في المال الباقي تساوى الأولون والآخرون في الفائدة إن قاموا، فإن لم يقوموا حتى قضى أحد الفريقين أو بعضهم مضى على أحد قولي مالك في قضاء من تبين فلسه؛ لأن الحجر الأول‏:‏ قد ذهب وبقيت اليد في البيع والشراء والاقتضاء‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ إذا داين آخرين، ثم أفاد مالا فالأولون أولى به ما لم يقع فلس ثان وهو في يديه؛ لأن محمله في المداينة الثانية على الوفاء‏.‏ قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا فك حجره، ثم داين آخرين فحجر عليه سوي بين الفريقين، وخالفه ابن حنبل، وخصص الآخرين لأنه عين مالهم‏.‏

فرع‏:‏

قال قال ابن القاسم‏:‏ تضرب الزوجة بما أنفقت على نفسها‏.‏ قال سحنون‏:‏ في الدين المستحدث ولا تحاص إذا كان الدين قبل الإنفاق لضعف المعاوضة في النفقة؛ لأن المرأة مخيرة بين طلب الطلاق وبينها، والديون عينتها أسبابها‏.‏ وفي الموازية‏:‏ تضرب في الفلس دون الموت؛ لإمكان استدراك بقية الدين في الفلس لبقاء إمكان الاكتساب، وقيل‏:‏ لا تضرب فيهما لضعف سببها، وعن ابن القاسم‏:‏ تضرب بصداقها في الحياة فقط‏.‏

وعن ابن القاسم‏:‏ لا يضرب بنفقة الأبوين، ولا بنفقة الولد في فلس، ولا موت لسقوط نفقة القرابة بالإعسار، وعن أشهب‏:‏ يضرب للولد مع الغرماء‏.‏ وقاله أصبغ في نفقة الأبوين إلا أن يكون جرت بحكم وتسافت ‏(‏كذا‏)‏ وهو مليء فيضرب بها فيهما، ويختلف على هذا هل يحاص بالجنايات‏؟‏ وفي المدونة‏:‏ يحاص بها، ويحاص بدية الخطأ إذا فلس أحد العاقلة على القولين‏.‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ متى كان الدين في الذمة عن عوض قبض، كان يتمول أم لا، ‏(‏و‏)‏ حوصص به كأثمان السلع المقبوضة وأروش الجنايات ونفقات الزوجات للمدة الماضية، ومهور الزوجات المدخول بهن وما خولعت عليه من شيء موصوف في الذمة، وعن المقبوض الذي لا يمكنه دفع العوض عنه، ودفع ما يستوفى منه ككراء دار بالنقد، أو يكون العرف النقد ففلس قبل قبض الدار أو سكن بعض السكنى حاصص عند ابن القاسم في المدونة بكراء ما بقي من السكنى إذا شاء أن يسلمه، وقياسه إن فلس قبل السكن فللمكري إسلامها ويحاص الغرماء بجميع الكراء، وهذا إنما يصح عند أشهب‏:‏ أن قبض أوائل الكراء قبض الجميع، فيجيز أخذ الدار المكتراة من الدين، وقياس أصل ابن القاسم يحاص بما مضى ويأخذ داره، ولو لم يشترط النقد ولا كان عرفا لوجب على المذهب المتقدم إذا حاص أن يوقف ما وجب له في المحاصة، وكلما سكن شيئا أخذ بقدره‏.‏

أما ما يمكنه دفع العوض، ويلزمه كرأس مال السلم إذا فلس المسلم إليه ففي الموازية‏:‏ يدفعه ويحاص الغرماء، ولا يكون أحق به إذ ليس برهن، وفيه نظر؛ لأن بالتقليس حل السلم، فللمسلم إليه إمساك رأس المال، وقياس أصل ابن القاسم ألا يلزمه أن يدفعه ويحاص الغرماء، ولو كان رأس مال السلم عرضا لكان له أن يمسكه على القولين‏.‏

أما ما يمكنه دفع العوض ولا يلزمه كالسلعة إذا باعها ففلس المبتاع قبل تسليمها؛ خير بين إمساك السلعة أو يسملها ويحاص الغرماء بثمنها اتفاقا‏.‏

وأما ما لا يكون له تعجيل العوض كسلم دنانير في عرض فيفلس قبل دفع رأس المال وقبل حلول الأجل، فإن رضي المسلم إليه تعجيل العرض والمحاصة جاز إن رضي الغرماء، وإن امتنع أحدهم حاص برأس المال فيما وجب للغريم من مال، وفي العروض التي عليه إذا حلت، فإن شاءوا أن يبيعوها بالنقد ويتحاصوا فيها الآن جاز، فإن فلس المسلم قبل حلول السلم فهو برأس المال أسوة الغرماء بما عليه من السلم، وليس له إمساكه، ويكون أحق به على مذهب ابن القاسم، وله ذلك على مذهب أشهب الذي جعله كالرهن، فإن فلس بعد دفع السلم وهو قائم جرى على خلاف ابن القاسم وأشهب في العين هل يكون أحق بها من الغرماء أم لا‏؟‏

ويحاص بمهور الزوجات قبل الدخول، ولا تخير المرأة كما يخير بائع السلعة في سلعته إذا فلس المبتاع قبل التسليم؛ لتعذر الخيار في النكاح للمرأة في حله، ولأن الصداق ليس بعوض للبضع حقيقة، بل شيء أوجبه الله تعالى على الرجال بدليل وجوبه أجمع بالموت قبل الدخول، وهذا أصح الأقوال، ويجب ألا تحاص إلا بالنصف على قولهم لا يجب بالعقد إلا النصف، فإن حاصت بالجميع قبل الدخول، ثم طلقها قبل الدخول قيل‏:‏ نرد ما زاد على النصف وقيل تحاص الآن بالنصف فيكون لها نصف ما صار لها بالمحاصة وترد نصفه، قاله ابن القاسم والأول‏:‏ قول ابن دنيار، فإن طلقها قبل التفليس ولم تقبض من صداقها شيئا فإنها تحاص بالنصف، وإن قبضت جميعه ردت نصفه وحاص الزوج به غرماءها، وإن قبضت النصف قبل التفليس وطلقها قبله، وقال عبد المالك‏:‏ لا ترد منه شيئا، وقال ابن القاسم‏:‏ لها منه النصف وترد النصف وتحاص به الغرماء، فإن طلقها قبل التفليس وهو قائم الوجه، ثم فلس لا ترد شيئا لأخذها ما تستحقه قبل الفلس، إلا أن يكون النصف المدفوع معجلا والآخر مؤجلا فترد ما قبضت وإن كان طلقها قائم الوجه ما لم يتأخر في ذلك ويرضي الزوج بترك الرجوع عليها، ولو دفعه إليها بعد الطلاق فلا ترد منه شيئا؛ لأنه لم يدفع لها إلا ما وجب عليه‏.‏

وأما الهبات والصدقات ونحوها فلا تحاص بها؛ لأن الفلس يبطلها كالموت، وأما النحل التي تنعقد عليها الأنكحة والحمالات بالأثمان فيحاص بها؛ لأنها

بعوض، وفي نحل النكاح خلاف، وكذلك في حمل الثمن بعد العقد والصداق بعد العقد، وفي الجلاب‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ تحاص المرأة بصداقها في الحياة دون الممات، وقال غيره‏:‏ تحاص فيها، وفي شرح الجلاب قيل‏:‏ لا تحاصص فيهما لأنها ليست معاوضة حقيقة‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ أجرة الجمال والكيال وما يتعلق بمصلحةجمع المال يقدم على جميع الديون‏.‏

فرع‏:‏

قال الأبهري قال مالك‏:‏ تحاص المرأة بما أنفقت في غيبة زوجها لقيامها عنه بواجب، دون ما أنفقته على ولدها لأنها مواساة بغير عوض، وليس على الولد إعطاؤها النفقة من ماله، لأنه كان فقيرا، ولو كان غنيا لكان غير محتاج لنفقتها فهي متبرعة‏.‏

الحكم الثامن‏:‏ طرو غريم بعد القسمة‏.‏ في الكتاب‏:‏ إذا طرأ غريم بعد القسمة لم يعلم به رجع على الغرماء بنصيبه في المحاصة يتبع كل واحد في ملائه وعدمه، والموت مثل الفلس في ذلك لمساواته لهم في أصل الاستحقاق‏.‏ قال التونسي‏:‏ ولو سكت بعضهم هو يرى المال يقسم فلا قيام له عند ابن القاسم ودينه في الذمة، كما لو أعتق وسكت الغرماء، ولو سكت بعض غرماء الميت له الرجوع، والفرق خراب ذمة الميت‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ يوقف للساكت حقه كالغائب إلا إن تبين تركه، وقيل‏:‏ إذا كان حاضرا ولم يشهد القسمة، فلو حضر وشهد فلا رجوع اتفاقا‏.‏ قال مالك‏:‏ إذا لم يقم الباقون حتى داين آخرين فلمن لم يقم من الأولين تفليسه ومحاصة من داينه بعد التفليس؛ لأنهم لم يفلسوه أولا فأشبه من داين قبل التفليس‏.‏ وعن مطرف لا يقوم الأولون الساكتون؛ لأن سكوتهم إسقاط حق المطالبة وعن ابن القاسم إذا قسم الورثة والغريم حاضر القسمة لا يقوم بعد ذلك؛ لأن ذلك إسقاط إلا أن يكون له عذر‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ يرجع

الغريم على كل واحد بما ينوبه لا على ملئ بمعدم ولا حي بميت، وكذلك يستحق المبيع، هذا إذا كان الميت غير مشهور بالدين، فإن كان مشهورا بذلك أو علم الورثة بالدين، ثم باعوا وقضوا بعض الغرماء فلمن بقي الرجوع على الورثة بما يخصه، ثم يرجع الورثة على الآخذ، وحيث رجع الورثة أخذ الملئ عن المعدم ما لم تتجاوز حصته ما قبض الوارث بخلاف الغرماء‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ لو ترك ألف درهم عينا وعبدا، وعليه لغريمين لكل واحد ألف درهم، فحضر أحدهما فأخذ الألف، فقدم الغائب وقد هلك العبد فإن كانت قيمته ألفا فلا رجوع، ولا ينظر إلى قيمته يوم مات أو مات السيد، بل أدون قيمة مضت عليه من قبض الغريم إلى موت العبد؛ لأن من يوم القبض تعين الغريم وضمانه، فإن كانت قيمته خمسمائة رجع على قابض الألف بمائتين وخمسين، وحسب العبد على الغائب، وإن اختلفا في القيمة صدق الطارئ لأنه محسوب عليه، فلو باع الوصي العبد بألف وقضاها للحاضر، ثم تلفت الألف العين فلا رجوع للطارئ كما لو كان المال كله عينا فوقف نصيب الغائب، فلو رد العبد بعيب بعد تلاف الألف التي عزل فقدم الغائب بيع العبد ثانية للحاضر، فإن نقص ثمنه رجع بنقصه على الغائب إلا أن يكون أتى للعبد وقت من يوم قضى بثمنه، يسوى فيه بالعيب ألفا فلا يرجع على الغائب؛ لأنه في ذلك الوقت يعتبر مستوفيا، ولو بيع بألف فأخذها الحاضر، ثم أخذ الغائب الألف، ثم رد العبد بعيب، فإن كانت بلغت قيمته بالعيب ألفا لم يرجع على القادم، ولو كانت قيمته خمسمائة رجع على القادم بمائتين وخمسين، وإنما جعل أشهب موت العبد وتلاف المال من الغائب في الموت، وأما في الفلس فمن المفلس لبقاء المحل قابلا للضمان، ولو طرأ وارث على وارث فقال مالك، وابن القاسم‏:‏ هو كالغريم يطرأ على الغريم وموصى على الموصى له، بجامع الاستحقاق‏.‏ وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يقاسم الطارئ الملئ فيما أخذ كأن الميت لم يترك غيرهما، ثم

يرجعان على سائر الورثة بما يعتدلون به معهم، فمن أيسر منهم قاسموه، ثم رجعوا على الباقين هكذا حتى يعتدلوا‏.‏ قال محمد‏:‏ والغريم يطرأ على موصى له كذلك يأخذ الملئ إلى مبلغ حقه؛ لأنه مبدأ عليه ليس له معه شيء حتى يستوفي دينه، بخلاف وارث يطرأ على وارث أو غريم على غريم، لأنه مساو لمن يطرأ عليه‏.‏ وروى أشهب أن يساويه فيما يجد بيده لهذا، ورأى ابن القاسم أن يرد عليه ما أخذ من حصته فلا يرجع عليه بما قبض غيره لعدم تعديه بقبضه‏.‏ قال محمد‏:‏ إذا طرأت امرأة وقد أخذت امرأة الثمن والابن ما بقي، ووجدت المرأة عديمة والابن مليا رجعت على الابن بثلث خمس ما صار إليه؛ لأن ميراثه سبعة أثمان وللطارئة نصف الثمن فأضعفها تصير خمسة عشر لها سهم، وترجع هي والابن على الأولى بنصف ما أخذت فيقسمان ذلك على خمسة عشر للابن أربعة عشر وللطارئة سهم، هذا على مذهب أشهب، وعند ابن القاسم يقسم سهمها على ثمانية تأخذ من الابن سبعة أثمان نصف الثمن ومن المرأة ثمن نصف الثمن‏.‏ قال محمد‏:‏ ولو قالت الطارئة‏:‏ معي نصيبي أو تركت حقي لكما، انتقضت القسمة الأولى بين الابن والمرأة، ويقتسمان ما بأيديهما خمسة عشر سهما، للزوجة سهم وللابن ما بقي، وإذا طرأ وارث أو غريم على بعض الورثة وهو مليء وباقيهم معدم فقال‏:‏ تلف مني ما أخذت لا يصدق فيما يغاب إليه ببينة للتهمة، وإلا صدق ما لم يتبين كذبه، مثل أن يذكر موت العبد أو الدابة بموضع لا يخفى بخلاف السرقة والإباق وهرب الدابة يصدق مطلقا مع يمينه‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر قال عبد الملك‏:‏ إذا أخذ غرماء الميت أو المفلس دينهم، وبقي ربع أو غيره فهلك، ثم طرأ غريم لا رجوع له على الأولين إن كان الذي ترك وفاء للطارئ‏.‏ ولو كان الورثة أخذوه في الموت رجع الطارئ عليهم أملياء أو عدماء، وإن كان واحد مليئا أخذ منه كل ما أخذ، ويرجع هذا الوارث على بقية الورثة ببقية حقه على أن ما تركه الميت ما أخذوا، وما بقي بيد هذا إن بقي شيء، ولا يتبع الملئ المعدم ويضمنون ما أكلوا واستهلكوا، بخلاف ما

لا سبب لهم في هلاكه، وما باعوه بلا محاباة فإنما عليهم الثمن، وما جني عليه عندهم فلهم أجمعين أرش ذلك، كانت القسمة بأنفسهم أو بحاكم‏.‏ وقاله كله مالك وابن القاسم‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ ولو كان القاضي أمر ببيع الرقيق الوصي أو وصي الوصي إليه فاشترى الورثة منهم كغيرهم ولم يكن يمضي القسمة ضمن بعضهم لبعض ما فات، واتبعهم الغرماء بالأثمان، ولو كان قسمة لم يتبعوا‏.‏ قال أصبغ‏:‏ لا أرى ذلك، وقسمتهم وقسمة السلطان أو الوصي سواء لقول مالك‏:‏ قال في الحالفة بعتق أمتها فباعتها، ثم ورثتها هي وإخوتها فاشترتها في حظها، ثم فعلت المحلوف عليه لم تحنث إن كان قدر ميراثها وشراؤها كالقسمة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا فلس وله ألف درهم ومائة درهم، فأخذ الغرماء الألف وأوقفت المائة فهلكت، ثم طرأ غريم له مائتان فهي من الطارئ، وإن أنفقها المفلس فهي في ذمته له، ولا يرجع على الأولين بها، ويرجع بالمائة الأخرى عليهم في الألف بجزء من أحد عشر، قاله عبد المالك، وهو بعيد بل أصل ابن القاسم يرجع في الألف ومائة بجزئين من اثني عشر فيأخذ مائتين إلا سدس مائة، فيحسب عليه المائة الذاهبة، ويرجع بخمسة أسداس مائة، قاله عبد المالك‏.‏ وكذلك لو بيع بعض ماله فكان كفاف دين الغرماء، وكان الظن أن جميع ماله لا يفي بدينهم، فأخذ من قام حقه وبقي بيده الباقي، فلا يرجع الطارئ على الأولين وإن هلك الباقي إن كان كفاف دينهم‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ إنما هذا في الميت لعدم ذمته، أما المفلس فحق الطارئ في ذمته لا يضمن الهالك، كما لو حضر وامتنع من القيام فهلك ما بيع من الإيقاف لضمن ذلك من قام بتفليسه‏.‏

قال عبد الملك‏:‏ ولو أبق عبد فاقتسم الغرماء، ثم قدم الآبق فمات أو أبق ثانية، ثم طرأ غريم حاص الأولين بما بقي له بعد قيمة العبد‏.‏ ولو لم يقدم العبد لحاص بجميع دينه، ولو رجع على الأولين فلم يأخذ منهم شيئا، ثم قدم العبد

لرجع طلبه في العبد دونهم إلا أن يبقى له شيء بعد ثمن العبد‏.‏ وكذلك كل ما يظهر للغريم من عطية وغيرها قبل أخذ الطارئ من الغرماء شيئا، وليس هذا مما يقطعه الحكم‏.‏

قال أصبغ‏:‏ إذا حكم بالرجوع على الغرماء بالحصاص مضى ولم يرجع في الطارئ كجميل الوجه يقضى عليه بالمال، ثم يأتي الغريم قبل قبض الطالب‏.‏ ومنع ابن حبيب إلحاقه بالحميل، ولو وهب له أبوه بعد أخذ الغرماء أو ورثه فعتق عليه لرجع الطارئ الذي دينه بتاريخ دين الأولين عليهم؛ لأن الهبة لا ترد وينفذ عتقه على الغرماء ليلا يبطل مقصود الواهب، بخلاف شرائه أو أخذه في دينه فإنه يباع للغرماء‏.‏

ولو حلف بحرية عبد إن اشتراه قبل الدين أو بعده بعد اقتسام ماله، ثم اشتراه فعتق عليه إن لم يكن يوم العتق ملئا بحق الطارئ رد عتقه، وأخذ منه الطارئ دينه، وعتق ما فضل، وإن نقص رجع بما نقص على الغرماء، ولو ملكه بهبة أو ميراث فكما تقدم في الأب، ولو ظن أن ماله كفاف دينه فقسم فحدث له هبة أو ميراث أو دين أقر له به، ثم تلف ذلك من يديه، فلا يرجع الطارئ على الأولين لاتساع ماله بما هلك‏.‏ ولو اقتسموا دينهم ببينة فقام الطارئ عليهم بمائة فرجع شاهدان كانا شهدا لبعض الأولين بمائة لرجع عليهم أجمعين، ولا يختص بمن رجعت بينته، ثم يرجعون على الشاهدين الراجعين بالمائة وفيهم الذي رجع شاهداه‏.‏

الحكم التاسع‏:‏ حبسه إذا لم يثبت إعساره، وفي الكتاب‏:‏ لا يحبس إلا المالئ المتهم بتغييب ماله وإلا فيستبرأ، وللحاكم حبسه قدر استبرائه أو يأخذ له حميلا، فإذا ظهرت براءته أطلق ومتى تبين عدم الملئ أو المتهم أطلق من غير تحديد، ولا يلازمه رب الدين‏.‏ وقاله ‏(‏ش‏)‏، خلافا ‏(‏ح‏)‏، وكذلك وافقنا ‏(‏ش‏)‏ في سماع بينة الإعسار في الحال، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ حتى يحبس مدة يغلب على ظن الحاكم عدم ماله ولو كان له مال لظهر‏.‏

وجوابه‏:‏ أن البينة لا تسمع إلا إذا كان تعلم حاله بالخبرة الباطنة، فلا

معنى لحبسه، ووافقنا ابن حنبل في جميع ذلك‏.‏ ويحبس أحد الزوجين لصاحبه والولد بدين أبويه، ولا يحبسان له أنه عقوق، ولا يحلف الأب فإن استحلفه فهو جرحة على الابن، ويحبس الجد والأقارب والنساء والعبيد والذمة والسيد في دين مكاتبه، ولا يحبس المكاتب بالعجز عن الكتابة لأنها ليست في الذمة ولكن يتلوم له‏.‏

وفي التنبيهات‏:‏ الإلداد واللداد‏:‏ الخصومة قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وتنذر به قوما لدا ‏"‏‏.‏ من لديدي الوادي وهما جانباه، كأنه يرجع من جانب إلى جانب لما كان يرجع من حجة إلى حجة، وقيل‏:‏ من لديدي الفم، وهما جانباه لإعمالها في الكلام في الخصومة، أو من التلدد وهو التحير؛ لأنه يحير صاحبه بحجته، وقوله حميلا بالوجه لا بالمال ويقضى على صاحب الدين به، والمتهم بإخفاء المال حميلا بالمال دون الوجه، إلا أن يحتاج للخروج من السجن لمنافعه ويرجع فيؤخذ بالوجه فقط‏.‏ ومن عرف بالناض لا يؤجل ساعة، ويؤجل صاحب العروض ما يبيع عروضه على حالها، وهو ظاهر الروايات نفيا للضرر عنه‏.‏ وقيل‏:‏ تباع بحينها تغليبا لحق الطالب‏.‏ وغير المعروف بالناض في تحليفه على إخفاء الناض قولان للمتأخرين، وقيل‏:‏ إن كان من التجار حلف وإلا فلا، مبني على مشروعية يمين التهم، وعن ابن القاسم لا يلزمه حميل حتى يبيع ولا يسجن، وأكثرهم على الحميل والسجن‏.‏ وقاله سحنون‏.‏

وفي النكت‏:‏ أصل السجن إجماع الأمة، وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما‏"‏ فإذا كان له ملازمته ومنعه من التصرف كان له حبسه، والحبس ثلاثة‏:‏ حبس التلوم والاختبار إذا لم يتهم في تغييب المال، وللتهمة، أو اللداد، فحتى يتبين عدمه، ولأنه نفى معلوما له فحتى يخرج ذلك المال ويعطي الدين، قال عبد الملك‏:‏ المجهول العدم أو المتهم بتغييب

ماله أقل حبسه في الدريهمات اليسيرة نصف الشهر، ولا يحبس في كثير المال أكثر من أربعة أشهر، وفي المتوسط شهران؛ لأن ثلث العام اعتبر في الإيلاء فلا يزاد عليه، قال بعض شيوخنا‏:‏ لا يحبس الوالد إلا في نفقة الولد الصغير؛ لأن ذلك للحاكم لا للصغير فلا عقوق‏.‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ حبس التلوم، والاختبار هو الذي قال فيه عبد الملك في الدريهمات نصف شهر وفي الكثير أربعة أشهر وفي المتوسط شهران، وأما المليء المتهم فحتى يثبت عدمه فيحلف ويسرح، وأما من أخذ أموال الناس وقعد عليها وادعى العدم فتبين كذبه فأبدا حتى يؤدي أو يموت في الحبس‏.‏ وقال سحنون‏:‏ يضرب بالدرة المرة بعد المرة حتى يؤدي أو يموت؛ لأنه الجاني على نفسه‏.‏ وقاله مالك، والقضاء عليه في هؤلاء الذين يرضون بالسجن ليأكلوا أموال الناس، ولا يليق خلاف هذا، وقد قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور‏.‏ ولا يمكن الملد المتهم من إعطاء حميل غلا حميلا فلزمه الغريم، ولا يسقط الغرم عنه إثبات الملطوب العدم، وإن أقام بينة بالعدم لم يترك، قاله سحنون‏.‏ وإن سائل الطالب أن يعذر إليه في الشهود فيعاد للسجن إن قدح في البينة، ويستحلف إن لم يقدح، ثم يسجن وليس قوله مخالفا لقول ابن القاسم‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا شهدت بينة أنه احتج ‏(‏كذا‏)‏ يحبس ولا يعجل سراجه، وكيف يعرفون أنه لا شيء عنده‏؟‏ وفي التلقين، وفي الجواهر‏:‏ مدة الحبس غير مقدرة بل لاجتهاد الحاكم‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ من حل دينه فسأل التأخير ووعد بالقضاء، قال عبد المالك‏:‏ يؤخره الإمام حسبما يرجى له، ولا يعجل عليه‏.‏ وفي كتاب سحنون‏:‏ إن سأل أن يؤخر اليوم ونحوه ويعطي حميلا بالمال فعل‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات‏:‏ يحبس الوصي فيما على الأيتام إن كان في يده لهم مال، وكذلك الأب إن كان عنده مال ابنه لم يعلم نفاده لادعائه خلاف الظاهر، قاله ابن عبد الحكم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ وليس لمن قال‏:‏ لا شيء لي، أما من قال‏:‏ أخروني ووعد بالقضاء أخر قدر ما يرجى له، فإن تنازعا في القدرة على الناض إن حقق الدعوى حلف اتفاقا، وإلا فعلى الخلاف في يمين المتهم، فإن نكل حلف الطالب ولم يؤخذ المطلوب قليلا ولا كثيرا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن طلب تفتيش داره فللمتأخرين قولان، وما وجد في داره فهو ملكه حتى يثبت خلافه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا ثبت عدم الغريم أو انقضاء أمد سجه فلا يطلق حتى يستحلف ما له مال ظاهر ولا باطن، ولئن وجد مالا ليؤدين إليه حقه‏.‏ ويحلف مع ثبوت عدمه؛ لأن الشهود إنما شهدوا له على العلم كالمستحق للعروض بشهادة الشهود يحلف ما باع ولا وهب؛ لأن الشهود لم يشهدوا على القطع بل باستصحاب الملك، فإذا حلف خلي سبيله حتى يتبين إفادته المال، فإن طلب تحليفه بعد ذلك أنه لم يفد مالا لم يكن له ذلك؛ لأنه قد استحلفه على ذلك ليلا يغشه باليمين في كل يوم‏.‏

وهذا فائدة قوله في اليمين‏:‏ لئن وجدت لوفيته حقه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يستحلفان المعسر الذي لا يعلم له مال أنه ما يجد قضاء في فرض أو عرض، وأنه إن وجد قضاء ليقضين، ففي التحليف مصلحة الطالب

بالاستظهار، ومصلحة المطلوب بامتناع تحليفه بعد ذلك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ واليمين على من عرف ملاؤه في الجامع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن شهد بينتان بعدمه وملائه ولم تعين البينة مالا ففي أحكام ابن زياد تقدم بينة الملاء وإن كانوا أقل عدالة، ويحبس بشهادتهم حتى يشهد أنه أعدم بعد ذلك، وهو بعيد، والصحيح رواية أبي زيد‏:‏ أن ذلك تكاذب وتقدم بينة العدم؛ لأنها أثبت حكما فيحلف ويسرح والأخرى نفت الحكم، وإنما تقدم بينة الملاء إذا تعارضتا بعد تحليفه وتسريحه، لأنها أثبتت حكما وهو سجنه‏.‏ وروى أبو زيد‏:‏ تسقط البينتان إذا استوتا في العدالة، ثم إن كان متهما حبس حتى يأتي ببينة على العدم أعدل من بينة الملاء، وإن كان إنما سجن تلوما أطلق‏.‏

فرع‏:‏

قال التونسي‏:‏ لا يخرج المحبوس للجمعة ولا العيدين، قاله ابن عبد الحكم، واستحسن إذا اشتد المرض بأبويه أو ولده أو أخيه أو بعض من يقرب من قرابته وخيف عليه الموت أن يخرج فيسلم عليه، ويؤخذ منه حميل بوجهه ولا يفعل ذلك في غيرهم من القرابات‏.‏ ولا يخرج لحجة الإسلام لتقدم الدين على الحج‏.‏ ولو أحرم بحج أو عمرة، أو نذر فحنث فقيم عليه بدين حبس وبقي على إحرامه‏.‏ ولو ثبت الدين يوم نزوله بمكة أسو منى أو عرفة استحب أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج، ثم يحبس بعد النفر الأول‏:‏ ولا يخرج ليعين على العدو إلا أن يخاف عليه الأسر أو القتل بموضعه فيخرج إلى غيره، ويخرج لحد القذف لتقدم الأعراض على الأموال ثم يرد‏.‏

ولا يخرج إنه مرض إلا أن يذهب عقله فيخرج بحميل حتى يعود عقله‏.‏ ويحبس النساء على حدة‏.‏ وفي النوادر‏:‏ يمنع المحبوس ممن يسلم عليه ويحدثه، وإن اشتد مرضه واحتاج إلى أمة مباشرة جعلت معه حيث يجوز ذلك‏.‏ وإن حبس الزوجان لا يفرقان إن كان الحبس خاليا، وإلا

فرقا‏.‏ ولا يفرق الأب من ابنه ولا غيره من القرابات، بخلاف المرأة لعظم النفع بها‏.‏ وإذا أقر في الحبس أنه أجر نفسه ليسافر مع رجل لم يخرج لذلك ولو قامت بينة، وللمطالب فسخ الإجارة للسجن؛ لأنه بحكم حاكم بخلاف غيره‏.‏ وإذ أراد الزوج السفر بامرأته فأقرت بدين فأراد الغريم حبسها في هذا البلد حبست في البينة والإقرار إلا أن تتهم‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ المعروف من المذهب حمل الغريم على اليسار من غير تفرقة بين الأحوال لأنه الغالب، والناس مجبولون على الكسب والتحصيل‏.‏ وعن مالك‏:‏ إن من لم يتهم بكتم مال وليس يتاجر لا يفلس ولا يستخلف، يريد من هو معروف بقلة ذات اليد‏.‏ وكذلك ينبغي أن يعامل أرباب الصنائع كالبقال والخياط يقبل قوله ولا يحبس إلا أن يكون المدعى به يسيرا مما عومل عليه في صنعته أو أخذ عنه عوضا أو حمالة؛ لأن الحميل قائل أنا أقوم بما عليه فهو إقرار باليسر‏.‏ وكذلك الصداق يحمل فيه الرجل على حال مثله، فكثير من الناس يتزوج وليس عنده مؤخر الصداق وخصوصا أهل البوادي‏.‏ وكذلك جناية الخطأ التي لا تحملها العاقلة‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ إذا أعتق بعض عبد وقال‏:‏ ليس عندي قيمة الباقي يسأل جيرانه ومعارفه، فإن قالوا‏:‏ لا نعلم له مالا أحلف وترك‏.‏ قال سحنون‏:‏ جميع أصحابنا على ذلك في العتق إلا في اليمين فإنه لا يستحلف عندهم‏.‏ وهذه المسألة أصل في كل مال ما لم يؤخذ له عوض أنه لا يحمل فيه الملاء واللدد، فإن الغالب التحيل للولد والقيام به‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا حبس حتى يثبت فقره، ثم أتى بحميل ‏(‏له‏)‏ ذلك عند ابن القاسم لثبوت الإعسار، ومنع سحنون؛ لأن السجن أقرب لحصول الحق، وإذا غاب المتحمل عنه وأثبت الحميل فقر الغريم برئ من الحمالة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ تسأل البينة كيف عملت فقرة‏؟‏ فإن قالوا‏:‏ نسمعه يقول‏:‏ ذهب مالي وخسرت وما أشبه ذلك لم تسمع هذه البينة، وإن قالوا‏:‏ كنا نرى تصرفه في بيعه وقدر أرباحه أو نزول الأسواق ونقص رأس ماله شيئا بعد شيء، وأن ذلك يؤدي إلى ما ادعاه سمعت ولو كان المطلوب فقيرا في مسائل‏:‏ كمن طولب بدين بعد مناجمة ويدعي العجز بعد قضاء، ويأتي بمن يشهد بفقره وحاله لم يتغير عن يوم، ومن يطالب برزق ولده بعد طلاق الأم لم تسمع بينته بالفقر؛ لأنه بالأمس كان ينفق فهو اليوم أقدر لزوال نفقة الزوجة إلا أن تشهد بينة بما يقل حاله‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ وإذا حلف بعد البينة قال مالك‏:‏ يقام من السوق من يعمل لإتلاف أموال الناس وقال عبد الملك لا يقام للناس‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الأمين على النساء في الحبس امرأة مأمونة لا زوج لها أو لها زوج معروف بالخير مأمون، ويحبسن في موضع خال من الرجال‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يحبس الوالد للولد في صورتين‏:‏ نفقة الولد الصغير، ودين على الولد وله مال في يديه إذا ألد عن تسليمه إلا أن يكون المال عينا ولو مال ظاهر يقدر على الأخذ منه فيؤخذ ولا يحبس، وإن ادعى الفقر كلف إثبات ذلك من غير حبس بخلاف الأجنبي، ويسأل عنه بخلاف إن علم لدده والمال كثير ولم يوجد مال ظاهر يقضي منه حبس، وإن أشكل أمره أو كان المطلوب يسيرا أو له قدر وهو حقير في كسب الابن، واختلف في تحليفه له وحده إن قذفه، وفي القصاص إن قطعه أو قتله، ففي المدونة‏:‏ لا يحلف‏.‏ وفي الموازية‏:‏ وهو بذلك عاق وترد

شهادته‏.‏ وقال‏:‏ أرى إن كانت يمين تهمة بأنه أخذ أو كتم ميراث أمه لا يحلف إلا أن تكون التهمة ظاهرة في ذي بال يضر بالولد، وإن كانت بسبب أنه يجحد ما داينه وله قدر أحلف، ولا يحلف في اليسير، ولا يحلف مطلقا إذا كان الأب دينا فاضلا، ويتهم الابن في أذاه بسبب تقدم‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ ويحد له ويجوز عفوه عنه وإن بلغ الإمام، ويقتص منه في القطع والقتل‏.‏ أصبغ كذلك إلا في القتل إذا كان ولي الدم ابنه، وهو أبين، وأرى عظيما حده وقتله وقطعه، وكذلك إن قام بالدم عم المقتول أو ابن عمه، أو يكون المقتول ليس بولد للقاتل، وهي مختلفة القبح‏.‏ وأشكل من ذلك أن يقوم بالقصاص ابن أخي القاتل فيريد القصاص من عمه، وقد قال - عليه السلام -‏:‏ العم صنو الأب‏.‏ وعدم تحليف الجد أحسن خلافا للمدونة، واختلف في القصاص منه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ويحبس السيد في دين مكاتبه إلا أن يكون قد حل من نجومه ما يوفي بدينه أو يكون في قيمة المكاتب إن بيع ما يوفي، ويحبس المكاتب في دين السيد إذا كان الدين من غير الكتابة، ولا يحبس في الكتابة إلا على القول‏:‏ إنه لا يعجزه إلا السلطان، وله سجنه إذا اتهمه بكتم المال طلبا للعجز‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أقر بالملاء ولد عن القضاء، فإن وجد له مال ظاهر قضي منه وإذا سجن، وإذا سأل الصبر لإحضار الناض‏.‏ وقال‏:‏ ليس لي ناض أمهل‏.‏ واختلف في حد التأخير، وأخذ الحميل وتحليفه على العجز الآن، فقال سحنون‏:‏ يؤخر اليوم ويعطي حميلا وإلا سجن‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ ذلك على قدر المطلوب من غير

تحديد، قاله مالك، وقال يجتهد في ذلك الحاكم، ويؤخر المليء نحو الخمسة الأيام ولم يلزمه حميلا، وهو أحسن، ومتى أشكل الأمر لا يحمل على اللدد، وإن قدر على القضاء من يومه بيع ما شق عليه بيعه وخروجه من ملكه كعبده التاجر ومركوبه، وما يدركه من بيعه مضرة أو معرة لم يلزمه بيعه؛ لأن الشأن من غير ذلك قاله مالك‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أراد بعضهم حبسه وقال غيره‏:‏ دعه يسعى حبس لمن أراد حبسه إن تبين لدده؛ لأن حق الطالب مستقل، قال ابن يونس في الموازية‏:‏ إن قل دين طالب السجن وكثر دين غيره خير صاحب الكثير بين دفع اليسير لصاحبه، وبين أن يباع له مما بيده ما يوفي بدينه وإن أتى على جميعه فمن شاء حاصص مع هذا القائم، ومن أخر فلا حصاص له، وإذا سجن لمن قام وله دين وعروض أكثر من دين من قام فلا يفلس ولا يقضى إلا لمن حل دينه، ثم لو تلف ما بقي بيده، وثم غريم فلا يرجع على من أخذ حقه بشيء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أخرك بعض الغرماء بحصته لزمه ذلك، فإن أعدمت وقد اقتضى الآخر حصته فلا رجوع لصاحبه؛ لأنه أسقط حقه ودخل على الغرر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا أديت دينه جاز إن فعلته رفقا به، وامتنع إن أردت الإضرار به، وكذلك شراؤك دينا عليه تعنيتا يمتنع البيع، قال صاحب النكت‏:‏ وإن لم يعلم المشتري قاله بعض الشيوخ، كما إذا أسلفت قاصدا النفع والمتسلف غير عالم والبائع تلزمه الجمعة دون الآخر، وقيل‏:‏ إذا لم يعلم بإضرارك صح البيع وتحقق العقد، ويباع الدين على المشتري فيرتفع الضرر، قال ابن يونس‏:‏ وهذا أظهر‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر من كتاب الوديعة‏:‏ إذا ظفر صاحب الدين بجنس حقه، وقد تعذر عليه أخذ حقه مثل أن يجحده وديعته، ثم يودع عنده فهل له جحد هذه الوديعة في الأولى‏؟‏ خمسة أقوال‏:‏ روى ابن القاسم في الكتاب المنع، والكراهة رواها أشهب‏.‏ وقال ابن عبد الحكم‏:‏ واستحبه عبد الملك تخليصا للظالم من الظالم، والخامس‏:‏ أن هذا كله إذا لم يكن عليه دين فإن كان لم يأخذ إلا حصته،

وأصل هذه المسألة ما في الصحيحين‏:‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءته هند أم معاوية - رضي الله عنه - فقالت‏:‏ يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وغني، لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم، هل علي في ذلك من شيء‏؟‏ فقال النبي - عليه السلام -‏:‏ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏.‏ وهو يدل على ذكر العيب عند الحاجة؛ لأنه - عليه السلام - لم ينكر عليها ذم الشح ومنع الحق، وعلى وجوب نفقة الزوجة والولد على الزوج والوالد قدر الكفاية لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏ما يكفيك وولدك‏)‏ وعلى جواز قضاء القاضي بعلمه لاكتفائه بعلمه - عليه السلام - عن البينة وعلى القضاء على الغائب؛ لأنه لم يكن حاضرا، وعلى أخذ جنس الحق وغير جنسه إذا ظفر به من الملك؛ لأنه - عليه السلام - أذن لها في أخذ ما يكفيها، وهو أجناس من نفقة وكسوة وغيرهما، وهذا إذن في البيع واستيفاء الحق من غير جنسه؛ لأن الغالب في الشحيح أن هذه الأجناس ليست عنده، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ على أخذ الجنس وغيره‏.‏ وقال سفيان وغيره‏:‏ لا يأخذ من جنس حقه‏.‏ وقال أصحاب الرأي‏:‏ يؤخذ أحد النقدين عن الآخر دون غيرهما‏.‏

وقيل في هذا الحديث‏:‏ إن قوله - عليه السلام - من باب الفتيا لا من باب القضاء؛ لأن القضاء يتوقف على استيفاء الحجاج من الخصمين وحضور المدعى عليه ليجيب ويناضل عن نفسه، ولم يكن شيء من ذلك‏.‏ ومتى دار تصرفه - عليه السلام - بين القضاء والفتيا فالفتيا أرجح؛ لأنه - عليه السلام - رسول مبلغ، وهو الغالب عليه، والتبليغ فتيا‏.‏

وينبني على هذه القاعدة الخلاف في المسألة، فإن قلنا تصرفه - عليه السلام – ههنا

بالفتيا جاز لكل أحد الأخذ بالشفعة من غير حاكم، وإن قلنا‏:‏ إنه تصرف بالقضاء فلا يجوز لأحد أن يأخذ إلا بالقضاء؛ لأنه كذلك شرع، وهذه قاعدة شريفة بسطها في باب إحياء الموات وغيره، يتخرج عليها شيء كثير في الشريعة‏.‏

الحكم العاشر‏:‏ فك الحجر عنه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إذا لم يبق له مال واعترف بذلك الغرماء انفك الحجر عنه، ولا يحتاج إلى فك القاضي؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ‏"‏‏.‏ وقال القاضي أبو محمد‏:‏ لا ينفك حجر محجور عليه بحكم أو بغير حكم إلا بحكم حاكم؛ لاحتياج ذلك إلى الاجتهاد الذي لا يضبطه إلا الحاكم‏.‏